قدَّر مختصُّون عالميون التكلِفةَ الاقتصادية للإرهاب بنحو 750 إلى 870 مليار دولار على الأقل سنويًّا، سواء أكانت من خسائرَ مباشرة أم غير مباشرة. وعلى الرغم من تأكيد المختصِّين الإستراتيجيين والاقتصاديين صعوبةَ حصر التكاليف التي يتحمَّلها الاقتصاد العالمي؛ نتيجةَ نموِّ العمليات الإرهابية المطَّرد، وذلك لصعوبة تقييم الآثار غير المباشرة، ولا سيَّما خسائر الأسهم في «البورصات» بسبب ازدياد حالة القلق بشأن الاستقرار السياسي، والآثار المترتبة على قطاع السياحة وحركة السياح، وكذلك قطاع التأمين والأمن وغير ذلك.

وتكمن المفارقة في أن هذه التكلفة العالية تنجم في الأعم الأغلب عن تراكمات العديد من العمليات الإرهابية منخفضة التكاليف التي قد لا تتجاوز في عدد منها بضع مئات من الدولارات، مما يجعل غاية تنفيذ مثل هذه العمليات الإرهابية البسيطة إحداث الرعب والتهويل وإحداث انعكاسات اقتصادية تضر باقتصادات الدول المستهدفة والاقتصاد العالمي على نحو عام.

غياب التعريف

ليس لدينا تعريفٌ محدَّد وواضح للعمليات الإرهابية المنخفضة التكاليف، سوى أنها عملياتٌ إرهابية ذات تكلِفة قليلة؛ لتوافر أدواتها ووسائلها في الأسواق المحلِّية. وهي عمليات تُراوح بين عمليات ذات تأثير محدود، وعمليات ذات تأثير مدمِّر، بحسَب الهدف المنشود منها. ونذكر مثلاً عن العمليات الإرهابية المنخفضة التكاليف ذات التأثير المحدود: الهجومُ على فندق، أو اغتيالُ سياسي بارز، أو هجوم انتحاري كما حدث في لندن، أو اغتيالُ عالم كبير كما حدث في العراق، أو تفجير دار للعبادة، وهي من الأهداف المهمة لديهم. أو تكون من العمليات ذات التأثير المدمِّر الضخم، مثلما حدث في تفجيرَي أوكلاهوما ولندن.

الأسباب والدوافع

هناك كثيرٌ من الأسباب التي تدفع المنظماتِ الإرهابيةَ إلى تنفيذ عمليات إرهابية منخفضة التكاليف، من أبرزها:

  1. ضعف الحالة الاقتصادية للمنظمة الإرهابية، فهي تجبر تلك المنظماتِ على الانتقال من العمليات الضخمة والمـُكلفة، إلى العمليات القليلة الكُلفة؛ بغرض إيصال رسالة مُفادها أن تلك المنظمات ما زالت موجودة وناشطة، كما يحدث حاليًّا في العراق؛ إذ إن تنظيم داعش الإرهابي فقدَ كثيرًا من قوته ومصادر تمويله، فانتقل إلى هذا النوع من العمليات الإرهابية.
  2. احتضار المنظمة، وهذا يدفعها إلى البحث عن هدفٍ يعيد إليها مجدَها المنطفئ، ولو بعمليات قليلة الكُلفة محدودة التأثير.
  3. شدَّة الحراسة والرقابة الأمنية، التي تمنع تلك المنظماتِ من تنفيذ العمليات الواسعة، كما حدث في لندن.
  4. ضيق الوقت؛ فقد تُضطَرُّ جماعة إرهابية ما إلى تنفيذ عمل إرهابي في وقت محدَّد، دون الحصول على وقت كافٍ للتخطيط والإعداد والتنفيذ، فتكتفي بعملية إرهابية صغيرة منخفضة الكُلفة، كما حدث في تفجير مسجد في الكويت.
  5. التصرُّف الفردي: ولا سيَّما من المجنَّدين الجدُد؛ إذ يقوم فردٌ من تنظيم إرهابي بتنفيذ عملية إرهابية دون الاستعانة بخطة مُحكَمة ذات تأثير كبير، كما حدث في الماراثون بالولايات المتحدة.
  6. وجود خطة محكمة: يؤدي توافر بعض العوامل إلى وجود خطة محكمة، لا تتطلب من التنظيم الإرهابي تكاليف باهظة، كما حدث في تفجيرات 11 سبتمبر في الولايات المتحدة.

أثر العمليات المنخفضة الكُلفة

أولًا- أحداث سبتمبر:

هي الحدَثُ الأبرز في التاريخ المعاصر، وقد غيَّر مُجرَيات الأمور في أرجاء العالم؛ أمنيًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا وثقافيًّا. وهي مجموعةٌ من الهجَمات الإرهابية وقعت في 11 من سبتمبر عام 2001م، استهدفت بُرجَي مركز التجارة العالمية في نيويورك، ومبنى وِزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) في ولاية فرجينيا، بعد اختطاف أربع طائرات نقل مدنية، صدَمَت اثنتان منها البُرجَين، وصَدَمَت الثالثةُ مبنى البنتاغون، وأخفقت الرابعة في تحقيق هدفها، فسقطت وانفجرت في ولاية بنسيلفانيا. ولم تتعرَّض الولايات المتحدة لكارثة مروِّعة في أراضيها كما حدث في ذلك اليوم، وقد تبنَّى تنظيم القاعدة الإرهابي تلك الهجَمات.

التكلِفة التقديرية: ذكر تقريرٌ أعدَّه «بييرن لومبو» الأستاذ المساعد بكلِّية الاقتصاد في جامعة كوبنهاجن، ومديرُ خلية تفكير في «مركز إجماع كوبنهاجن»، المختصِّ بتحليل أبرز التحدِّيات: أن تكلِفة هجوم تنظيم القاعدة على الولايات المتحدة قُدِّرت بـ 500 ألف دولار فقط، منها التكاليف المعيشية، وتكاليف وضع خُطة التدريب على الطيران، وتحديد الأهداف.

في حين قُدِّرت الخسائرُ الناتجة عن تلك العمليات إلى ما قد يصل إلى مئة مليار دولار، إضافة إلى خسائر التجارة عمومًا، وخسارة سوق الأسهم خصوصًا، فضلًا عن الخسائرَ البشرية التي بلغت مبلغًا كبيرًا قُدِّر ببضعة آلاف بين قتيل وجريح، مما لا يُقدَّر بثمن.

وقد كان من أبرزُ الآثار المباشرة لأحداث 11 من سبتمبر:

  1. معاناة القِطاع السياحي في الولايات المتحدة، على مدار سنوات، عَقِبَ الهجَمات.
  2. تأثُّر حركة الطيَران دَوليًّا، وذلك بتوقُّفها، وتغيير الإجراءات الأمنية الخاصَّة بها، وإصدار قوانينَ صارمة لحماية الطائرات من الخطف.
  3. تغيُّر النمط الأمني العام في أرجاء العالم؛ إذ اتجهت الإجراءاتُ الأمنية نحو التشدُّد الحازم، وأخذ أعلى درَجات الحِيطة والحذَر.

ثانيًا- تفجيرات لندن:

وقعت في 7 من يوليو 2005م أربعة تفجيرات في العاصمة البريطانية لندن، وكانت في وقت الذُّروة، نفَّذها أربعة انتحاريين. ثلاثةٌ منها في قطارات لندن تحت الأرض، والرابع في حافلة نقل عام.

التكلِفة التقديرية: قُدِّرت التكلِفة الإجمالية لتلك العمليات بنحو 4200 دولار فقط. أما حصيلةُ الخسائر المالية فتقدَّر بنحو 2,5 مليار دولار، فضلًا عن توقف حركة المواصلات العامَّة والأنفاق مدَّة ثلاثة أيام. وأسفرت العملية عن مصرع نحو 50 شخصًا، وإصابة 700 آخرين. وخلَّفت تلك العملياتُ الإرهابية رعبًا واضطرابًا شديدًا في المنطقة.

ثالثًا- تفجير مسـجد الكويت:

هو تفجير انتحاري استهدف مسجدَ الإمام الصادق، في منطقة الصوابر بدولة الكويت، في شهر رمضان المبارك عام 1436هـ/ 2015م، نفَّذه أحد عناصر تنظيم داعش الإرهابي.

التكلِفة التقديرية: قُدِّرت التكلِفة الإجمالية لتلك العملية بما لا يزيد على 300 دولار فقط. أما الكُلفة البشرية فهي مقتل 27 شـخصًا، وإصابة 227 آخرين بجِراح مختلفة. وقد أدَّت هذه العملية الإرهابية إلى ارتباكٍ أمني واضح، وإجراءاتٍ أمنية احترازية مشددة في جميع المنافذ، فضلًا عن حملة اعتقالات واسعة.

رابعًا- تكلِفة التفجير الانتحاري:

لا تتجاوز كلفةُ العملية الواحدة من عمليات التفجير الانتحاري عمومًا 150 دولارًا فقط، في حين يقابل هذه الكُلفةَ خسارة تبلغ وسطيًّا 150 مليون دولار، ما بين إجراءاتٍ أمنية، وتعويضات، وإصلاحات، وتكاليف علاج، وذلك بحسَب تقرير كوبنهاجن.

مخاطر العمليات المنخفضة الكُلفة:

  1. الخسائر المباشرة؛ وهي عمومًا محدودة، سواء الخسائر البشرية أو المادِّية، ولكنَّ الآثار الناتجة عنها عالية الكُلفة.
  2. الرعب وتشديد الإجراءات الأمنية.
  3. تعطُّل التنمية والاقتصاد لمدَّة محدودة، وما يجرُّه ذلك من مخاوفَ مستقبلية.
  4. تأثُّر قِطاعَي السياحة والتجارة.
  5. تأثُّر سوق الأوراق المالية.

ويُلحُّ ها هنا سؤالٌ مهم، هو هل يمكننا القضاءُ على تلك العمليات المنخفضة الكُلفة ولا سيَّما ذاتِ الأثر الكبير؟ والجواب: من الصعب جدًّا القضاءُ على تلك العمليات؛ بسبب المرونة الكبيرة التي يمتاز بها الإرهابيون، إلا أن تشديد الإجراءات الأمنية على أهداف مهمة يجعل الإرهابيين يختارون أهدافًا أقلَّ أهمية.

على سبيل المثال: إذا كانت الإجراءاتُ الأمنية شديدةً على محطةٍ لتكرير النفط، فإنه يقابلها تفجيرُ محطة وَقود تجارية، يخلِّف آثارًا ضخمة ومرعبة.

وإن تشديد الإجراءات على وزارة سيادية مهمة يقابله تفجيرُ سوق أو مجمَّع تجاري أو شبكة مواصلات مهمة. فالغرض إذن من تلك العمليات هي إرسالُ رسالة صريحة إلى الحكومات المستهدَفة بأننا حاضرون وباقون ومستمرُّون.

خصائصُ العمليات الإرهابية المنخفضة الكُلفة

  1. سهولة الحصول على مُعدَّاتها وأدواتها من الأسواق المحلِّية، مما يمكِّن قليلي المعرفة والخبرة من تنفيذها بيُسر.
  2. سهولة التنقُّل بأدواتها دون إثارة الشكوك والريبة؛ كحقيبة يدوية، أو صندوق معدَّات، أو أنابيب معدنية كتلك التي تستعمل في البناء.
  3. سهولة تمويلها دون إثارة المؤسسات المصرفية، أو الجهات الأمنية؛ إذ تلك العملياتُ في الغالب لا تزيد كلفتها على 10 آلاف دولار، وهذا المبلغُ لا يستدعي الحصولَ على تصريح.
  4. صعوبة معرفة منفِّذيها؛ وذلك باختيار الجماعات الإرهابية مجنَّدين جدُدًا ليس لديهم سوابقُ أمنية.
  5. صعوبة حماية جميع الأهداف المحتمَلة؛ بسبب ارتفاع الكلفة جدًّا، وفِقدان القدرة البشرية لتأمين جميع تلك الأهداف، حتى باستخدام أحدث الكاميرات والتقنيات للمراقبة الأمنية؛ فإنها لا يمكنها إيقافَ العملية الإرهابية؛ بل الاكتفاء بتحديد مَن قام بتنفيذها.

حلول الحماية والوقاية

ويبقى السؤال الأهمُّ هو: ما الحلُّ الأفضل والأنسب لمكافحة تلك العمليات المنخفضة التكلِفة، وحماية أبنائنا ووقاية مجتمعاتنا من آثارها المخرِّبة؟ والجواب هو: إن الحلَّ يقوم على جانبين اثنين رئيسين هما: التوعية، والتعاون الدَّولي.

أولًا- التوعية: وهي أفضلُ الإجراءات وأجداها نفعًا، وتتجلَّى في أمور:

  1. توعية المجتمعات بتلك المخاطر والأحداث المدمِّرة، وضرورة تبليغ السلطات الأمنية والحكومية عن أي خطر داهم. من ذلك: ما حدث في دولة الكويت حين أبلغ أحدُ الشباب الجهاتِ الأمنيةَ بخطر محتمَل، وهو قيامُ مجموعة من أصدقائه المراهقين (تبيَّن أنهم مجنَّدون في بعض الجماعات الإرهابية) بتفجير بعض المساجد والكنائس. فما إن علم هذا الشابُّ بمخطَّطهم حتى سارع مع أبيه إلى الجهات الأمنية لتحذيرها من خطرهم.
  2. توعية الشباب بالأهداف الحقيقية وراء تلك المنظمات الإرهابية؛ فما هم سوى وَقودٍ لها يُغرَّر بهم طمعًا بالشهادة ودخول الجنان! فلو صدقَ أولئك الإرهابيون في دَعاواهم لتقدَّموا الصفوفَ، ولضحَّوا بأنفسهم، لا بشباب أغرار كبراعم الزهور!
  3. توعية المربِّين من ذوي الخبرة في التربية وعلم النفس، بضرورة مراقبة سلوك الطلبة، وملاحظة أي تغيُّرات سلوكية تطرأ عليهم؛ كالتعبير عن الغضب من المجتمع، أو التعاطف مع سلوكٍ إجرامي. ثم يبدأ العملُ على تقويم ذلك السلوك بحسب خبرة المختصِّين، دون تعريض الطالب للعنف أو العزل؛ فقد أثبتت التجارِبُ أن لذلك نتائجَ عكسية خطِرة على سلوك الشباب.
  4. توعية الأهل بضرورة مراقبة سلوك أولادهم، وتبصيرهم بمدى مخاطر تلك المنظمات الإرهابية، والتعاون مع الجهات المختصَّة بالإبلاغ عن أي اتصالات واردة هي مَظِنَّة تجنيدهم.
  5. توعية المسؤولين بأهمية المحافظة على السرِّية التامَّة، عند إبلاغ أحدهم عن مثل تلك الجماعات أو العمليات المحتمَلة.

ثانيًا- التعاون الدَّولي: ويقوم على أمور منها:

  1. تبادل المعلومات الأمنية والاستخبارية بين الدول؛ للإسهام في الحدِّ كثيرًا من تلك العمليات الإرهابية الخطِرة والمروِّعة.
  2. تشجيع المجتمعات على التعاون مع الجهات الأمنية المختصَّة، والإبلاغ عن أي تجمُّعات أو تحرُّكات مثيرة للشكوك والريبة.
  3. رفع ميزانية الشرطة الدَّولية (الإنتربول) وبناء قدُرات أفرادها؛ لما في ذلك من إسهام مباشر في الوقاية من تلك الهجَمات الإرهابية.
  4. وجود الإرادة السياسية الصادقة والجادَّة لدى الدول، في مجال مكافحة تمويل الإرهاب.
  5. زيادة التعاون الدَّولي في مجال مكافحة المخدِّرات والتجارة غير الشرعية؛ لتجفيف منابع تمويل الإرهاب.
  6. اتخاذ الإجراءات الصارمة تجاه الجمعيات الخيرية (إسلامية، أو مسيحية، أو هندوسية) الداعمة لتلك المنظمات الإرهابية، والمموِّلة لأنشطتها.
  7. السخاء في الإنفاق على الإجراءات الأمنية، فمهما أُنفق من أموال تبقى زهيدةً نسبيًّا مقارنة بالنتائج العظيمة المرجوَّة، وعلى رأسها تحقيقُ نعمة الأمن والأمان.