​يشهد العالم تطورًا كبيرًا ومتسارعًا وواسعًا في وسائل الإعلام والاتصال والتقنية، فقد أصبح العالم يعيش عصر الفضاء المفتوح، وتنوع القنوات الفضائية، وتعدُّد الوسائط الاتصالية، وهو ما أدى إلى تعاظم تأثير الرسائل الاتصالية في تكوين الوعي المجتمعي واتجاهات الرأي العام تجاه القضايا والمشكلات المطروحة في المجتمع.

تحدٍّ كبير

وتعد ظاهرة الإرهاب من أكبر هذه القضايا وأخطرها، وأصبحت تمثِّل رهانًا وتحدِّيًا كبيرين، على المستويين الدَّولي والإقليمي؛ لما لها من تأثيرات في أمن العديد من المجتمعات واستقرارها، ولا سيما في ظل عدم كفاية المقاربة الأمنية العسكرية للتصدي لهذه الظاهرة المعقدة ومواجهتها واحتوائها، وهي لا تزال موضع اختلاف من حيث تحديد مفهومها وطبيعتها، وتعدد أسبابها ومسوِّغاتها ومصادرها وأنشطتها وأهدافها.

وبما أن الإعلام بمختلف وسائله هو المنوط به تغطية هذه القضية باستمرار، فقد أوجد ذلك نوعًا من العلاقة بين الإعلام والإرهاب، تمثِّل في طبيعتها سلاحًا ذا حدين تنعكس آثاره سلبيًّا وإيجابيًّا، ويتجلى الجانب السلبي لها في توظيف الجماعات الإرهابية لهذه الوسائل لنشر عقيدتها، وتجنيد الشباب، وزعزعة أمن الدول والمجتمعات واستقرارها، إضافةً إلى استغلالها في الترويج لنفسها لتحقيق أهدافها بسرعة وعلى نطاق واسع، ومساعدتهم في تضخيم جرائمهم وتعظيم الأضرار التي أصابت المجتمع جراء الأعمال الإرهابية، بهدف نشر الخوف والرعب، وزعزعة الأمن والاستقرار، وهو ما يؤدي إلى خسائر اقتصادية، وفقدان الناس الثقة في قدرة حكوماتهم على توفير الحماية لهم، وعليه فالأساس الذي تقوم عليه الإستراتيجية الإعلامية للإرهابيين هو أن يخوضوا حربًا دعائية ونفسية وإعلامية لتحقيق هدفين أساسيين، هما: إثارة انتباه العالم إلى كون الإرهاب موجودًا، وأن الإرهابيين أصحاب قضية ويجب الاعتراف بها، إضافة إلى الحصول على الشرعية الدَّولية لقضيتهم والتعاطف معها، وفي هذا الإطار أشارت الباحثة «Nacos» عام 2002 إلى مسألة إصرار الإرهابيين على استخدام وسائل الإعلام لنشر أفعالهم وقضاياهم في إطار مفهوم جديد أسمته ب «الإرهاب المروَّج عبر الإعلام» (Mass Mediated Terrorism).

الجانب الإيجابي للإعلام

وأما الجانب الإيجابي لهذه العلاقة فيتمثل في توظيف مختلف وسائل الإعلام والاتصال والتقنية للتصدي للإرهاب ومواجهته، من خلال توعية الرأي العام ولا سيما الشباب  بظاهرة الإرهاب والأفكار المتطرفة، وتوجيه المواطنين توجيهًا صحيحًا نحو تبنِّي سلوك يُسهم في تنمية مجتمعاتهم، إضافةً إلى نشر ثقافة التسامح والوسطية والاعتدال، والعمل على كشف حقيقة هذه الظاهرة الخطيرة وأساليبها التي تزعزع استقرار المجتمعات وأمنها، إذ يقوم الإعلام بدور مهم نحو تمثيل الوعي الفردي والجمعي بضرورة مواجهة ظاهرة الإرهاب والتصدي لتداعياتها، إذ أصبح بإمكان وسائل الإعلام الإسهام في إرساخ اتجاهات رافضة للإرهاب والعنف لدى الرأي العام من خلال:

  • تشجيع روح الاعتدال والوسطية، والحوار الهادئ، والمناقشة الموضوعية لمختلف الآراء.
  • إطلاع المواطنين على حجم الدمار والآثار السلبية المترتبة على ظاهرة الإرهاب.
  • عدم السماح بنشر المعلومات وتداولها عن الحوادث الإرهابية والتنظيمات المتطرفة ما أمكن، سواء أكانت حقيقية أو تكهنات وتأويلات، لكنه يسمح في الوقت نفسه بتوعية المواطن لاتخاذ كل التدابير الوقائية من هذه الظاهرة.
  • نشر الجهود الأمنية من خلال مختلف وسائل الإعلام لردع كل من تسوِّل له نفسه القيام بمثل هذه الجرائم، ويمكن من خلال الإعلام توضيح الأنظمة والقوانين، والعقاب الذي سيواجهه هؤلاء المجرمون.
  • رصد ظاهرة الإرهاب من أجل تحليل أسبابها ودوافعها، والتوصل إلى مصادر التمويل، وأسلوب تجنيد الأتباع، وبناء النظُم، والحصول على الأسلحة، وتسلسل تمرير الأوامر.

وتجدر الإشارة إلى أن البُعد الإيجابي لعلاقة الإعلام بالإرهاب قد يتحول إلى بعد سلبي، في حال توظيف مختلف وسائل الإعلام وتقنية الاتصال بطريقة خاطئة وغير مُجدِية عند تناول هذه الظاهرة، إذ يصبح الإعلام داعمًا بصورة مباشرة أو غير مباشرة للأعمال الإرهابية، وهو ما ستكون له آثار سلبية تظهر على الأمن القومي للدول.

ومن الواضح أن جودة تغطية الإرهاب تعتمد على العديد من العوامل وَفقًا لدرجة حرية الصحافة في كل بلد، والموارد الاقتصادية المتاحة لوسائل الإعلام، والعوامل الثقافية، والمفاهيم الفردية للأخلاقيات والدور الاجتماعي لوسائل الإعلام.

حرب نفسيَّة

الواقع أنه لا يمكننا إغفال الدور الذى يؤديه الإعلام في تغذية العنف والإرهاب والتطرف أو دعمها من خلال استغلال الإرهابيين له في تسويق غاياتهم وأغراضهم، وتوظيفها في تضليل الأجهزة الأمنية، ومحاولة السيطرة على الرأي العام عن طريق نشر العمليات الإرهابية التي ينفِّذونها على اعتبار أن الحملات الإعلامية التي تغطي هذه العمليات تساعد على تحقيق أهدافهم واستكمالها، فهم يرون في التغطية الإعلامية لجرائمهم معيارًا مهمًّا في قياس مدى نجاح فعلهم الإرهابي لدرجة أن بعضهم يرى العمل الإرهابي الذي لا ترافقه تغطية إعلامية عملًا فاشلًا، وفي الوقت نفسه لا نرى خطابًا إعلاميًّا واحدًا، بل خطابات إعلامية متعارضة، يمكن أن تجتمع في كونها خطابًا إعلاميًّا مهيمنًا ومنتشرًا يتصف بسمت المواكبة والإثارة، بغض النظر عن دقته في نقل الممارسات الاجتماعية. ولتحقيق الهيمنة الناعمة يُنتج خطاب جاذب شكلًا وموضوعًا ويُتداوَل ليكون قادرًا على تزييف الواقع، والتلاعب بالعقول، دون أن يدرك الجمهور ذلك، بحيث يتابع الخطاب الإعلامي المهيمن بإرادته الحرة، ويتعود الجمهور على استهلاك هذا الخطاب يوميًّا، ويرفض أو يقاوم أي خطابات مغايرة؛ لأن الخطاب الإعلامي الموجَّه هو أحد أخطر أدوات التضليل للجمهور بمختلف فئاته، فموضوع الحرب النفسية والإعلامية في أي أزمة أو حرب يُعدُّ من أخطر الأدوات التي تستخدم في محاربة الخصم، وتعتمد على مبدأ شلل الوعي لدى المتلقي لتصديق ما يقدم من معلومات، وصولًا لهزيمته نفسيًّا، إذ اتخذت منها منبرًا تعمل من خلاله على تضخيم الوقائع، وتزييف الصور، ونقل الأحداث خلافًا لما يجري على أرض الواقع في ظل ما يطلق عليه (حرب المصطلحات، وصياغة الرأي العام) ومنها: مصطلح الأصولية، ومصطلح الذئاب المنفردة، ومصطلح الانغماسي، والإرهاب، والمعارضة المسلحة، والاستعمار، والشرق الأوسط، والعالم الثالث.

دراسات عديدة

وتُعدُّ إشكالية العلاقة بين الإرهاب ومختلف وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والإلكترونية موضوعًا لدراسات نظرية وبحوث علمية كثيرة، ولا سيما أن هذين المصطلحين (الإعلام)، و(الإرهاب) من أكثر المفردات ترددًا لعقود عديدة مضت، وسيستمران لعقود أخرى مقبلة، وذلك لاعتبارات عديدة، منها:

  • كلا الاصطلاحين يتصفان بالقِدَم والاستمرارية، على اختلاف أدواتهما وتعبيراتهما، وما يعتريهما من تطور وتجديد في الوظائف والوسائط والآليات والأهداف.
  • تصاعد الدور المحوري والمؤثر للإعلام، وانتشار المنظمات والجماعات الإرهابية، خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 .
  • الوظائف المتجددة للإعلام والإرهاب تجعلهما حاضرين معًا بوصفهما منظومات، وإشكاليات في علاقتهما بالحريات العامة والشخصية، والسياسية، والقانون، والنظام الدَّولي، والعقائد، والأديان، والأعمال الاستخباراتية والأمنية.
  • تشابك العلاقة بين الإرهاب والإعلام وأجهزته ووسائطه المتعددة، يشير إلى أن كليهما يحقق بعض أهدافه الوظيفية والاحترافية والسياسية.
  • سعي كل من الإعلام والإرهاب كجزء من وظائفهما وأهدافهما وراء الآخر، فمختلف وسائل الإعلام تسارع إلى السبق الإعلامي لكل ما يمارسه الإرهاب من عنف وتخريب واغتيالات لتزويد الجمهور بالمعلومات، وفي الوقت نفسه تسعى الجماعات الإرهابية وراء وسائل الإعلام المختلفة لتحقيق أهدافها المتمثلة في إشاعة الرعب والخوف وعدم الاستقرار.

أصبحت العلاقة الآن بين الإعلام والإرهاب تشبه شراكة بين مؤسستين، إحداهما تصنع الحدث والأخرى تسوِّقه، فمن جهة يُعدُّ الإعلام سلاحًا إستراتيجيًّا للإرهاب، لما يوفره لهم من دعاية وديمومة واستمرار، عن طريق المبالغة في الحديث عن أفعالهم، ونشر صور مرعبة عن ضحاياهم، والدمار والخراب الذي خلفته العمليات التي يقومون بها، وبث رسائل دعائية لزعمائهم. وفي المقابل يضمن الإرهاب للإعلام تحقيق مصالح مهنية، من خلال الانفراد بتغطية عملياتهم، ونشر وثائقهم، وأقوالهم وأفعالهم، وأخرى مادية عن طريق تحقيق الشهرة، وزيادة المبيعات، وتحقيق الأرباح؛ لأن تغطية الحدث الإرهابي إعلاميًّا يحقق مكاسب تكتيكية وإستراتيجية للقائمين عليه.

ويؤكد المختصون والمهتمون أن للإعلام في أحيان كثيرة أهميةً تزيد على العمل الإرهابي نفسه «العمل الإرهابي ليس شيئًا في حد ذاته، التشهير هو كل شيء، باعتبار التغطية الإعلامية المكثفة والمستمرة للإرهاب تخلِّف المزيد من أعمال العنف، وتمنح الاعتراف والشرعية للإرهابيين، وقال العديد من الباحثين في مجال الإعلام إن العمل الإرهابي يمثل في حد ذاته بداية الإرهاب، بداية لآلية أكثر تعقيدًا وهي الدعاية، فالإرهاب والجماعة الإرهابية ستكون غير سعيدة على الإطلاق ومُحبَطة إذا ما عرفت أن جريمتها لن تُكتشف، ولن تَجذب اهتمام المجتمع».

دعاية غير مقصودة

وتجدر الإشارة إلى أن ثمةَ نوعًا من الدعاية غير المقصودة، ونعني بها مجموعة العوامل والظروف التي تجعل من التغطية الإخبارية عملًا دعائيًّا، دون أن يكون ذلك من أهداف الصحفي أو المؤسسة الإعلامية، ويرجع ذلك إلى الضوابط السياسية والثقافية التي توجه الصحفي إلى اختيار أحداث معينة، والاهتمام ببعض جوانبها دون جوانب أخرى، وهو ما قد يجعل التغطية الإخبارية عملًا دعائيًّا، ولأن وظيفة وسائل الإعلام الرئيسة هي إطلاع الأفراد والجماعات بحقيقة ما يجري داخل مجتمعاتهم، فقد تتحدث هذه الوسائل عن الأحداث الإرهابية بحماسة فيها مبالغة أحيانًا، لتتحول بذلك التغطيات الإخبارية إلى تغطيات دعائية للإرهابيين، يحصلون من ورائها على حضور إعلامي مجاني على الصعيد المحلي والعالمي.

انطلاقًا مما سبق يمكن القول إن تناول الإعلام لموضوع الإرهاب لا يزال يطرح إشكالًا كبيرًا في الطريقة التي ينبغي أن يُعالج بها، وهو ما يؤكده Dominique Wolton في قوله: «إن الإرهاب هو ملف صعب في التحرير»، وتعود أسباب استمرار هذا الإشكال إلى درجة التعقيد والتشابك، وكذلك لاعتبارات يمكن اختصارها في النقاط التالية:

  • اختلاف النظرة إلى ظاهرة الإرهاب بسبب اختلاف تعريف الإرهاب بوصفه مفهومًا؛ فما نراه نحن إرهابًا يراه الآخر مقاومة.
  • إشكالية تسييس التغطية الإعلامية للعمليات الإرهابية؛ على أساس غياب الاحترافية من جهة أو لاعتبارات براغماتية.
  • الاختلاف على مستوى السياسات الإعلامية، فكل دولة تحاول تكييف سياستها الإعلامية وَفقًا لطبيعة نظامها السياسي ومصلحتها القومية بالدرجة الأولى.
  • الطريقة التي تُدار بها وسائل الإعلام، وحسب آراء الذين يديرونها، وكذا حسب الخطط الإستراتيجية القريبة أو بعيدة المدى.

ختامًا فإن من نافلة القول أنه لا بد من إعلاء دور مراكز الأبحاث المتخصصة في العلوم الاجتماعية التي تُعد رافدًا علميًّا في وضع سياسات مكافحة الإرهاب وصياغتها من كل جوانبها الدينية والقانونية والإستراتيجية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإعلامية، فضلًا عن أهمية التنسيق المستمر والتكامُل بين الباحثين وصناع القرار والإعلاميين في ورش العمل والمؤتمرات وأوراق العمل والتوصيات الصادرة عنها في إطار يوفر التعامل الناجز، ويراعي اعتبارات المتغيرات والمستجدات على الساحتين الدَّولية والإقليمية التي تكون في علاقة ارتباط بظاهرة الإرهاب.​