​​دراسةُ موارد القوة الناعمة للتنظيمات الإرهابية وتحليلُها، ومنها الإصداراتُ الإعلامية؛ يُسهمان إسهامًا كبيرًا في فهم التوجهات الفكرية لهذه التنظيمات، وتتبُّعِ مواطن القوة والضعف فيها، وما يطرأ عليها من تغيُّرات. لوَضْع الخُطَط والبرامج اللازمة لمواجهتها، وتقويض انتشارها على مستوى الفكر والخطاب. واستكمالًا لتحليل هذه الإصدارات، بدءًا من تحليل «صحيفة النبأ» الداعشية في الربع الأخير من عام 2020م، تتناول هذه الدراسةُ المختصرة تحليلَ «صحيفة ثبات» التابعة لتنظيم القاعدة، في المدَّة الزمنية نفسها.

النشأة والمحتوى

صحيفة «ثبات» هي صحيفة أسبوعية، تُصدرها وكالة ثبات الإخبارية، المملوكة لتنظيم القاعدة، وتنشرها في المواقع الإلكترونية الخاصَّة بها، يراوح عدد صفَحاتها بين 8 و10 صفَحات، وهي حديثة الإصدار؛ فقد ظهر العددُ الأول منها في أكتوبر 2020م.

وجرى تحليل (10) أعداد صدرت في الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2020م. واشتملت جميعُ الأعداد على صورٍ وتصاميمَ (إنفوجرافيك) وخرائط، ولكن بعدد أقلَّ من «صحيفة النبأ» الداعشية، إضافة إلى أنَّ التصميم الداخلي للصحيفة لم يكن بمستوى جودة «النبأ».

وتشتمل الصحيفة على أبواب داخلية ثابتة، منها:

  • أبرز الأحداث: يتناول أخبارَ العمليات القتالية التي نفَّذها التنظيمُ في مختلِف المناطق والدُّول، ويستغرق هذا البابُ نصف موضوعات الصحيفة.
  • إحصاءات: يورد أرقامًا وإحصاءاتٍ عسكريةً عن القتلى، والمصابين، والغنائم، والسيارات المفخَّخة، والهجَمات التي ينفِّذها التنظيمُ على الحواجز والقواعد العسكرية والقرى.
  • إضاءات: يهتمُّ بالدفاع عن التنظيم وعقيدته الفكرية، ويُبرز بعضَ الشخصيات الأساسية من منظِّرين وقادة عسكريين.
  • خرائط: يوضح مناطقَ الصراع التي ينتشر فيها التنظيم، وتوزيع النفوذ فيها.

نظام التحميل والتخزين

للمجلة نظامُ تحميل وحفظ للبيانات محدث على مِلفِّ PDF، إضافةً إلى ملف مضغوط، ولها ما لا يقلُّ عن عشَرة روابط؛ لتسهيل تحميلها وتناقلها وانتشارها، ولا سيَّما عبر برامج التواصل الاجتماعي، والهواتف الذكية.

​البصمة الإعلامية

يمكن ملاحظةُ الفروق بين التنظيمات الإرهابية، ولا سيَّما تنظيمَي القاعدة وداعش، بواسطة تحليل بصمة مضامين الموادِّ الإعلامية المعبِّرة عنهما، وعلى سبيل المثال: بعد تحليل صحيفتَي «النبأ» و«ثبات» في المدَّة نفسها يُلاحظ الآتي:

  • دعمُ تنظيم القاعدة مقاطعةَ المنتجات الفرنسية بعد تصريحات الرئيس الفرنسي ماكرون، في حين انتقدَها تنظيمُ داعش، وعدَّها تخاذلًا في نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم. 
  • احتفى تنظيمُ القاعدة ببعض المنجَزات الشعبية في مجالات التعليم والصحَّة، في حين لا يقبلُ تنظيم داعش ذلك مطلقًا.
  • يتماهى تنظيمُ القاعدة نسبيًّا مع المجتمعات التي يعيش فيها؛ للحصول على حاضنة شعبية، أكثر مما يتماهى تنظيمُ داعش الذي يسعى إلى إزالة ما سبقه تمامًا.

وتجدُر الإشارة إلى أنَّ تحليل بصمة المضامين الإعلامية يتجاوز في أحيان كثيرة رسالة العقيدة الفكرية المباشِرة، إلى أمور أكثر عُمقًا وتركيبًا. وفي محاولةٍ لتفكيك تلك البصمة وتجزئتها، حُلِّلت المضامينُ المدنية، ولغة الخطاب، وكذلك المحتوى العُنفي في صحيفة «ثبات» على النحو الآتي:


- المحتويات المدنية

حجمُ المضامين ذات الطبيعة المدنية قليلٌ نسبيًّا في جميع الأعداد الخاضعة للدراسة، وقد كشف التحليل أنَّ الأعداد خلت من المضامين الآتية:

  • الجوانب الزراعية.
  • الجوانب الصناعية.
  • الخِدْمات البلدية.
  • الرعاية الصحية.

في حين تناولت الأعدادُ مضامينَ أخرى اهتمَّت بها اهتمامًا متفاوتًا، وهي:

  • الحياة الاجتماعية اليومية: عدد واحد.
  • دعم أنشطة التربية والتعليم: عدد واحد.
  • الجانب التجاري: عدد واحد.
  • فرض النظام والقانون: عددان.
  • مشاهد الدمار والضحايا المدنيين: عددان.
  • الجوانب الدينية التي تُظهر الأنشطة الدينية التقليدية، مثل الصلاة وقراءة القرآن، أو المواعظ: تسعة أعداد.

- لغة الخطاب

تنوَّعت لغةُ الخطاب في هذه الأعداد بين ثلاثة مستويات هي:

  • لغة دفاعية: ظهرت في بعض الأعداد، واهتمَّت بالدفاع عن عقائد التنظيم، على سبيل المثال: نُشر مقال مقتضَب في العدد الأول بعنوان: (هل القاعدة ابتعدت عن الأمَّة؟)، يحاول الدفاع عن التنظيم وعن انسحابه من بعض المناطق، وكسب تأييد الجماهير له.
  • لغة كراهية: هي الأكثر حضورًا في جميع الأعداد، بما تحتويه من رغبة في تغيير العالم، والتشديد على ما يُطلِق عليه التنظيم اسمَ العدوِّ القريب والعدوِّ البعيد، علمًا أنَّ أكثر من نصف الصحيفة مختصٌّ بالعمليات العنيفة والقتالية. ويُلاحَظ أنَّ تنظيم القاعدة أخفُّ حدَّة في تعامله مع تنظيم داعش من تعامل الأخير معه؛ إذ لا يصلُ إلى خطاب التكفير والردَّة، مع الإشارة إلى خروج داعش على الجهاد الحقِّ، وانتقاد بعض أساليبه وجرائمه.
  • لغة اعتزازية: ظهر هذا الخطاب في بعض الأعداد، وارتبط في الغالب بتنفيذ العمليات الإرهابية، والاحتفاء بالشخصيات القيادية في بعض الحركات وتمجيدها، مثل المُلَّا عمر زعيم حركة طالبان، وأبو مصعب الزَّرقاوي.

 

 

- الزمان والمكان

الزمان: ترتبط موضوعاتُ العمليات القتالية والعسكرية بأحداث الأسبوع، وتنتشر على نصف الصفَحات، وتبقى الموضوعاتُ الأخرى في الصفَحات الأربع الأخيرة غيرَ مرتبطة بمدَّة زمنية محدَّدة، وإنما بموضوعات تاريخية أو مقالات عامَّة. 

المكان: تظهر أسماءُ المناطق في نطاق جغرافي محدَّد في الغالب، والمناطقُ الأكثر ظهورًا في هذه الصفَحات هي: اليمن، والصومال، ومالي، وأفغانستان، وباكستان.


- المحتويات الحربية

تشمل الأعمالَ القتالية والعسكرية، مثل: الاستعدادات والتدريبات العسكرية بمختلِف أنواعها، ومشاهد الأسلحة والمعَدَّات، والتشكيلات القتالية والجنود، ثم الاشتباكات والعمليات القتالية المباشرة وغير المباشرة، والغنائم والقتلى والأسرى، ويمكن تفصيلُها على النحو الآتي في الأعداد الخاضعة للدراسة: 

  • المقاتلون: ظهرت صورُ مقاتلينَ ذكورٍ في جميع الأعداد، ومعظمُهم ملثَّمون.
  • تمجيد القتلى: ظهرت المقالاتُ التي تمجِّد قتلى الحركات القتالية في تسعة أعداد، وممَّن احتُفيَ بهم أبو مصعب الزَّرقاوي، إضافة إلى رموز الإرهاب العالمي في أزمنة مختلفة، وهذا على ما يبدو جزءٌ من الصراع الفكري بين الجماعات الإرهابية نفسها.
  • العمليات القتالية: ظهرت العملياتُ القتالية ومشاهد الهجَمات المباشرة، والهجوم على الحواجز أو المعسكرات، وتفجير الآلات والمدرَّعات وغيرها، في جميع الأعداد. وظهرت بدرجة أقلَّ العملياتُ غير المباشرة مثل الهجَمات الصاروخية أو الكمائن والألغام والمفخَّخات. وأظهر التحليلُ أنَّ أغلب المحتويات العنيفة ترتبط بالعمليات القتالية والحربية والاشتباكات وعمليات تحرير المناطق.
  • الأسلحة والعَتاد: معظم الأسلحة الظاهرة في الأعداد هي أسلحةٌ خفيفة وشخصية، تُستخدَم في الهجَمات المباشرة، مع ظهور آلات وسيارات دفع رباعي.
  • الإثخان والقتلى: ظهرت مشاهدُ جثث القتلى في جميع الأعداد، وبدرجة أقلَّ ظهرت الغنائمُ؛ وتضمُّ المعَدَّات والآلات التي استولى عليها التنظيم.
  • عمليات الاغتيال: لم تظهر أيٌّ من عمليات الاغتيال في جميع الأعداد.
  • عمليات التخريب: لم تظهر أيُّ عمليات تخريب في جميع الأعداد، وهو ما يختلف تمامًا عن تنظيم داعش، الذي يُظهر عمليات التخريب في المناطق التي ينشَط فيها، على أنها منجَزات عسكرية، حتى تخريبُ بيوت المدنيين ومزارعهم.
  • العُنف الفردي: ظهر التحريضُ على العنف الفردي، أو ما يُطلَق عليه عمليات (الذئاب المنفردة) في عددين، في سياق التحريض على الدولة الفرنسية بعد أزمة الرسوم المسيئة.

نتائج الدراسة

انتهت الدراسةُ إلى أنَّ مضامين العُنف والحرب هي المضامينُ الأكثر حضورًا في «صحيفة ثبات»، مع اختلافٍ في التفاصيل عن تنظيم داعش؛ فإنَّ تنظيم القاعدة ينأى بنفسه عن عمليات التخريب والاغتيالات أو إظهار الإعدامات، ويحاول أن يقدِّم عقيدةً فكرية ألطفَ من تنظيم داعش، حتى إنه ينتقد ممارسات داعش الوحشية ويجرِّمها، ويَعدُّها خروجًا عن المنهج القتالي. وكشفت الدراسةُ أيضًا أنَّ تنظيم القاعدة يحتفي ببعض الإنجازات في القِطاعات المدنية، مثل: قطاع التعليم، وتوزيع الزكاة على المحتاجين، وشارك بعضُ قياديي التنظيم في المظاهرات الشعبية التي خرجت لنصرة الرسول صلى الله عليه وسلم (العدد الثاني). ولعلَّ التنظيم يحاول أن يصوِّر نفسَه تنظيمًا قريبًا من المجتمع، ويتفهَّم احتياجاته. ولهذا، فإنَّ المضامين المدنية في «صحيفة ثبات» أكثر حضورًا من «صحيفة النبأ».

وفي صراع تنظيم القاعدة الفكري مع تنظيم داعش، تقلُّ الحدَّة في خطاب القاعدة، ولا يصلُ إلى التكفير، بل إن اللغة تقتربُ من العتاب في بعض الأحيان، مع إظهار صور قتلى من داعش في العددين الثامن والعاشر، بعد اشتباكات وقعت بينهما في مناطقَ بإفريقيا. في حين يستخدم داعش الأسلوب الحادَّ؛ فقد وصفَ تنظيم القاعدة «بالقُطعان، والمرتدِّين». ويبدو أن هذا الصراع يحتدم بينهما مع مرور الوقت، كونهما يتمدَّدان في الفضاء نفسه. وإنَّ مسار الأحداث يحتاج إلى متابعة مستمرَّة للإصدارات، ودراسة متأنِّية من أجل فهمٍ أعمقَ للمآلات المستقبلية.