لم تعرف ظاهرةٌ اجتماعيةٌ اهتمامًا على الصُّعد الدَّولية والإقليمية والوطنية، كالاهتمام الذي عرفته ظاهرةُ الإرهاب الدَّولي؛ ذلك أن الإرهاب ظاهرةٌ خطِرة تهدِّدُ أمنَ المجتمعات من جهة، والأمنَ والسِّلم الدَّوليين من جهة أخرى. ويصحُّ القول: إن الإرهاب الدَّولي بات بديلًا عن كثير من الحروب التقليدية، وهنا يبلغ خطرُه الذروة. 

وإذا أردنا أن نضعَ الأمور في سياقها الصحيح، نقول: إن المسألة ليست مسألةَ اهتمام؛ فقد فرض الإرهاب نفسَه على جداول أعمال أكثر حكومات دول العالم، ولا سيَّما جداول أعمال منظمة الأمم المتحدة، والمنظمات الإقليمية، والدول الكبرى وعلى رأسها الولاياتُ المتحدة الأمريكية.  ولكن المسألة هي كيف نتصدَّى لهذا الإرهاب وَفقَ خطةٍ إستراتيجية متكاملة وسديدة، قائمةٍ على أسُس قانونية مُحكَمة، وكيف نطبِّق هذه الخطة تطبيقًا عمليًّا مُجديًا.

قِدَم الإرهاب
تكمن صعوبةُ الإرهاب عندما يحظى برعاية دولةٍ ما، تريد امتلاكَ أوراق قوة للضغط على دولة أخرى، أو فرض مشروع أو قرار، وَفقَ منطق «الغاية تبرِّر الوسيلة»، وذلك يتخطى بكثير صعوبة إرهاب الأفراد والتنظيمات. وقد أسهبت الأممُ المتحدة في شرح هذه المعضِلة الخطِرة، فالتطرفُ العنيف أفرزته مشاريعُ سياسية، ومن هنا كان الإرهاب يهدِف دومًا إلى تحقيق غايات سياسية، وإن كان بدوافعَ دينية. وتلك مسألة مهمة في النظرية العامة للإرهاب، لا يمكن غضُّ الطَّرف عنها.

أجل إن التطرف العنيفَ هو المرحلة الأخيرة من مراحل التطرف المـُفضي إلى الإرهاب، ولكنَّ ظاهرةَ الإرهاب ليست طارئة حديثًا؛ بل هي قديمة قِدَم الإنسان، ولم تَنجُ دولة منها، وهذا يعني أن الإرهاب لم يكن دومًا ملازمًا للتطرف. إن الربط البريء حينًا والمقصود أحيانًا، بين الإرهاب والإسلام، يضع النظام العالمي والنظام الرسمي العربي على نحو خاص أمام مسؤولياتهم، لمجموعة من الأسباب، أهمها: تأكيد قِيَم السلام والتسامح التي ينهض عليها الإسلام، وهي القِيَم التي انطلقت منها مواثيقُ مكافحة الإرهاب وتعزيز حقوق الإنسان الصادرة عن التنظيمين الإقليميين الإسلامي والعربي من جهة، وحماية المجتمعات العربية من لظى الإرهاب، ولا سيَّما الإرهاب المتأتِّي من التطرف الذي لا يُعَدُّ على الإطلاق سِمةً من سمات هذه المجتمعات من جهة أخرى، وتلك مسألة مهمة أيضًا، فلو كان التطرف في عالمنا العربي ذا شعبية طاغية لكان المشهد مختلفًا تمامًا. 

ويبقى السؤال إذن: هل لجامعة الدول العربية خطةٌ إستراتيجية متكاملة لمواجهة الإرهاب؟ وإذا كانت الإجابة بـ «نعم»، فما هي؟ وإلى أي حدٍّ خضعَت للتطبيق والتنفيذ؟ وما نِقاطُ ضعفها ونِقاطُ قوتها؟

الأساس القانوني
لكي تكونَ معالجة الإرهاب قائمةً على أرض صُلبة ومُجدية، يجب تحديد الأساس القانوني الذي يُبرز مشروعية إسهام جامعة الدول العربية في مجال مكافحة الإرهاب. وهناك ثلاثةُ أسس قانونية في هذا الصدد، الأول هو الفصل الثامن من ميثاق الأمم المتحدة المادَّة (52)، والثاني هو ميثاق جامعة الدول العربية. والثالث هو قرارات الأمم المتحدة وإستراتيجياتها في مكافحة الارهاب.

عناصر الإستراتيجية
من أول ما نقف عليه من جهود جامعة الدول العربية في مكافحة الإرهاب، هو الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب عام 1998م، التي تُعَدُّ بمنزلة حجر الزاوية في هذه الجهود، إلا أن بدايات الاهتمام الرسمي العربي بهذه الظاهرة يعود إلى ثمانينيات القرن العشرين، ويمكن أن نعرضَ أبرز محطات جهود الجامعة في مكافحة الإرهاب وَفقَ التسلسل الزمني؛ لما للإطار الزمني من دلالات مهمة عند التقييم.

1) الإستراتيجية الأمنية العربية 
أقرَّها مجلس وزراء الداخلية العرب في 7/ 1/ 1983م، وهي تهدِفُ إلى تحقيق التكامل الأمني العربي تبعًا لوَحدة الأمن العربي؛ انطلاقًا من أن الأمن الداخلي والخارجي لكلِّ دولة عربية مرتبطٌ بالأمن الجماعي العربي، وأن الإخلال بالأمن الداخلي أو الخارجي في أيِّ دولة منها تتعدَّى آثارُه بالضرورة إلى الإخلال باستقرارها السياسي والاجتماعي وقدرتها العسكرية، ممَّا يؤثِّر في القوة الذاتية للأمة العربية. ومن جملة ما استهدفته هذه الإستراتيجية مكافحةُ الجريمة، فأخذت على عاتقها تطهير المجتمعات من مختلِف أنواع الانحرافات السلوكية، ومن التطرف والعنف والتخريب والإرهاب، الموجهة من الداخل أو الخارج. 

2) الإستراتيجية العربية لمكافحة الإرهاب
اعتمدها مجلس وزراء الداخلية العرب عام 1997م، وتضمَّنت عناصرَ ترمي إلى تنسيق جهود مكافحة الإرهاب في الدول العربية، وتعزيز التعاون مع المجتمع الدَّولي في هذا الصَّدد. وقد وَضَعت هذه الإستراتيجيةُ لنفسها هدفين رئيسين، هما: الأول مكافحة الإرهاب وإزالة أسبابه. والثاني تعزيز التعاون وتطويره بين الدول العربية في مجال مكافحة الإرهاب. منطلقةً من حقيقة جَليَّة هي أن الإسلام دينُ اعتدال ووسطية وتسامح، ينبِذُ كلَّ أنواع العنف والجريمة وفي مقدِّمتها الإرهاب.

وتنهض هذه الإستراتيجية على مجموعة من المقوِّمات، سواء على صعيد السياسات الوطنية لمكافحة الإرهاب، أو على صعيد التعاون العربي لمكافحته؛ فهي تدعو الدولَ العربية إلى الالتزام باجتناب دعم الأعمال الإرهابية أو تشجيعها، وتُعنى كثيرًا بتبادل المعلومات عن نشاط الإرهابيين وتحركاتهم، والتنسيق في خُطط المواجهة، وضرورة اتخاذ موقف عربي موحَّد من أيِّ دولة تقوم بمساندة الإرهاب تجاه أيِّ دولة عربية. ولا يخفى ما لهذا الجانب من أهمية؛ لأنه يمنح المشروعية القانونية لإنشاء تحالفات عسكرية عربية لمواجهة مصدر الخطر، كالتحالف العربي ضدَّ الإرهاب الدَّولي المنظَّم في اليمن.

3) الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب
أبرمَها مجلس وزراء الداخلية العرب ومجلس وزراء العدل العرب في 22/ 4/ 1998م، وتُعَدُّ الركنَ القانوني الأساسي لمكافحة الإرهاب في الجامعة العربية. تتألف الاتفاقية من ديباجة وأربعة أبواب؛ فبعد أن بيَّنت في بابها الأول تعريفَ الإرهاب والجريمة الإرهابية، بيَّنت في بابها الثاني أسسَ التعاون العربي لمكافحة الإرهاب أمنيًّا وقضائيًّا، وأهمُّ أساس في هذا المجال هو ما نصَّت عليه مادتها الثالثة: (تتعهَّد الدول بعدم تنظيم الأعمال الإرهابية أو تمويلها أو ارتكابها، وعليها أن تَحُولَ دون اتخاذ أراضيها مسرحًا للقيام بأيِّ فعل إرهابي منصوص عليه في الاتفاقية، ومن ذلك العملُ على منع (تسلُّل) الإرهابيين أو إيوائهم أو تدريبهم أو تسليحهم).

ويطول شرحُ جميع أبواب الاتفاقية، لكن لا بدَّ من وقفة تأمُّل صريحة؛ إذ على الرغم من جمال نصوص هذه الاتفاقية، وموافقة جميع الدول العربية عليها، نجد أن الإرهاب لا يزال يُرتكَب في أوطاننا! فهل يعود ذلك إلى انتهاكات للاتفاقية؟ وهل أسهم بعضُ نصوصها في تخفِّي الإرهاب في ظلال الحق؟ للإجابة عن هذين السؤالين المهمَّين والجوهريين ينبغي عقدُ نقاشات عميقة موضوعية وجريئة.

أما السؤال الأول، فممَّا لا شكَّ فيه أن بعض الدول العربية تخرق الاتفاقية، ولا سيَّما مادتها الثالثة، وذلك لسببين: إما لحسابات سياسية لبعض الدول العربية المرتبطة بمشاريعَ تخالف ميثاق الجامعة العربية والأمن القومي العربي، وإما لضعف الدولة أو تفكُّكها في أكثرَ من نموذج عربي. من ذلك ما كان يحصُل في ليبيا من تنامٍ للتنظيمات الإرهابية المدعومة من دول غير عربية، وهو خطرٌ كبير يهدِّد أمن دول عربية مجاورة لها كمصر. ومنه أيضًا ما يحصُل في اليمن من إضعافٍ للشرعية وتحويل الدولة إلى جسر إرهابي لضرب دول الخليج العربي، ولا سيَّما المملكة العربية السعودية، بواسطة تنظيمات عسكرية انتهجت الإرهاب وسيلةً لتحقيق مآربَ سياسية. 

تلكم نماذجُ تستدعي إعادةَ النظر في الاتفاقية العربية، وإضافة باب خاصٍّ تحت اسم (لجنة العقوبات)، تتألف هذه اللجنة من الدول العربية قاطبةً، وتقرِّر بحسَب الوقائع والأحداث ما يجب اتخاذُه من إجراءات شديدة وحازمة بحقِّ أيِّ دولة، أو تنظيم في دولة، يهدِّد أمنَ إحدى الدول العربية. 

وأما السؤال الثاني، فيبدو واضحًا أن هناك مشكلةً كبرى في المادة (2) من الاتفاقية، التي تنصُّ على أنه «لا تُعَدُّ جريمةً حالاتُ الكفاح بمختلِف الوسائل، بما في ذلك الكفاح المسلَّح ضدَّ الاحتلال الأجنبي والعدوان». فهذا النصُّ يجب الوقوف عنده لسببين وجيهين: الأول أنه يختلف عن النصوص المشابهة له في سائر مواثيق مكافحة الإرهاب، فاتفاقية منظمة المؤتمر الإسلامي التي أصبح اسمها فيما بعد منظمة التعاون الإسلامي لمكافحة الإرهاب مثلًا نصَّت في مادتها الثانية على أنه «لا تُعَدُّ جريمةً إرهابية حالاتُ كفاح الشعوب، بما فيها الكفاح المسلَّح ضدَّ الاحتلال والعدوان الأجنبيين، والاستعمار، والسيطرة الأجنبية». والنصُّ نفسه ورد في اتفاقية منظمة الوَحدة الإفريقية لمكافحة الإرهاب في المادة الثالثة: (لا يُعَدُّ عملًا إرهابيًّا حالاتُ الكفاح الذي تشنُّه الشعوب وَفقًا لمبادئ القانون الدَّولي؛ من أجل حرِّيتها وحقِّ تقرير مصيرها، بما في ذلك الكفاح المسلَّح ضدَّ الاستعمار والاحتلال والعدوان).

أما السبب الثاني، فإنه يشير إلى أن عدم ربط الكفاح بالشعوب المنصوص عليه في المادة الثانية من الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب، يجعل هذا النصَّ وكأنه فُرض فرضًا أو أُمليَ إملاءً؛ نتيجةَ مساومة من جهات غير عربية، وبعيدًا عن كفاح الشعوب الذي هو حقٌّ ومبدأ قانوني! وهذا يعني أنه من الكافي لإطلاق يدِ أيِّ تنظيم عسكري في أيِّ دولة عربية أن يقول: إني أعبِّر عن تطلُّعات شعب هذه الدولة، وإني حركة مقاومة. وبهذا يُخرَج أيُّ عمل عنيف مُرتكَب من سياق الإرهاب ويُوضَع في إطار المقاومة. وهذا ما يحصُل الآن ويا للأسف! إذ تُتَّخذ المقاومة شعارًا يُستظَلُّ به لتحقيق مشاريع عنف ليس تجاه الاحتلال، وإنما تجاه حكومات بعض الدول العربية. 

ثم مَن الذي قال: إن حركات المقاومة يجب فصلها نهائيًّا عن الإرهاب؟ فالإرهاب هو وصفٌ لفعل عنيف قد يقوم به محتلٌّ أو مقاتل مقاوم. وعلى أي حال، فإن فرضية أن يصدُرَ عن التنظيمات المقاومة أعمالٌ إرهابية فرضية قائمة؛ ففي دراسة مهمة أعدَّتها الأمانة العامة للأمم المتحدة عام 1972م، جاء فيها: «إن الإرهاب الدَّولي لا عَلاقة له بمسألة متى يكون استخدام القوة مشروعًا، ففي هذه المسألة لا يمكن المساس بنصوص الميثاق والقانون الدَّولي. ولكن هناك بعضُ الوسائل التي يجب ألا تُستخدَم، وذلك حتى عندما يجري تسويغ استخدام القوة من الناحيتين القانونية والأخلاقية، كما هو الأمر في أيِّ شكلٍ من أشكال الصراع، فشرعيةُ قضية ما لا تُضفي بذاتها شرعيةً على استخدام أشكال معينة من العنف، ولا سيَّما ضدَّ الأبرياء».

ولم يعُد في عالم اليوم وضعٌ قانوني يحظى بإجماع شعبي يصف تدخلًا ما على أنه احتلالٌ، أو يصف ردَّ فعل ما على أنه مقاومة، ولا سيَّما بعد أن خرجت كثير من (حركات المقاومة) عن نُبل الهدف، وأضحت امتدادًا لمشاريعَ عابرة للحدود. فالشعب السوري مثلًا يرى أن الوجود الأجنبي الروسي والإيراني واللبناني (حزب الله الإرهابي) في دولته هو احتلالٌ مباشر، في حين تصفه الحكومة السورية بالتدخُّل المشروع. و(المقاومة) في لبنان باتت وجهةَ نظر، ولم تعُد معبِّرةً عن وِجدان كثير من الوطنيين والشعبيين وقناعاتهم. وفي اليمن يرى غالبيةُ الشعب اليمني أن (الحوثية العسكرية) هي تجسيد واضح للمصالح الإيرانية، في حين تطرح الحوثية نفسَها على أنها حركة مقاومة. 

ماذا يعني ذلك؟ يعني أن نصوصًا واردة في الاتفاقية العربية وفي الاتفاقيات الإقليمية الشقيقة يجب أن تُعدَّلَ تعديلًا جوهريًّا، وأن تُلغى المادة التي تفرِّق - اصطناعيًّا وليس طبيعيًّا - بين الإرهاب والكفاح. ثم إن وصمَ جماعات التطرف العنيف بالإرهاب أمرٌ مهم، لكنَّ من المهم أيضًا ألا تقتصرَ لائحة الجماعات الإرهابية على تنظيمَي (داعش) و(النصرة)، فإن ازدواجية المعايير هي في حدِّ ذاتها من الأسباب التي تُفضي إلى الإرهاب. ألم يكن من أسباب قوة تنظيم داعش الإرهابي في العراق، رعبُ فئات شعبية سُنِّية من إرهاب تنظيمات متطرفة غير سُنِّية؟ إذن هناك تعديلٌ آخرُ في الاتفاقية ينبغي أن يكون، وهو أن لجنة العقوبات المقترَحة عليها أن تضعَ لوائح لتنظيمات عسكرية تمارس الإرهاب عربيًّا.

4) الإستراتيجية العربية للأمن الفكري
أصدرها مجلس وزراء الداخلية العرب في دورته الثلاثين، التي عُقدت في الرياض يوم 13/ 3/ 2013م، وهي تهدِفُ إلى تحقيق جملة من الأهداف، منها: تعزيزُ ثقافة الأمن الفكري لدى أبناء المجتمع العربي، ومواجهةُ الأفكار التي تروِّجها التيارات الفكرية المنحرفة، والإسهام في تعزيز القيم والمبادئ السليمة، وإبراز الوجه الحقيقي للإسلام والديانات السماوية السَّمْحة، والحفاظ على التقاليد العربية الأصيلة، والتلاقي مع باقي الحضارات. وتهدِفُ أيضًا إلى تعزيز منطق القانون وسيادته، واحترام حقوق الإنسان، ودعم إسهام المجتمع المدني في نشر ثقافة التسامح وحرية التعبير.

إن لهذه الإستراتيجية أهميتَها في مواجهة حمَلات التضليل وبثِّ الفكر المنحرف لمآربَ هدَّامة لا عَلاقة لها بهموم الإنسان العربي، لكنَّ أهميتها تكتمل عند تحديد كلِّ الأسباب التي تدفع المغرَّر بهم للالتحاق بالتنظيمات المتطرفة. ذلك أن غايات رؤوس هذه التنظيمات تختلف عن طموحات الشباب العربي الذي يبحث عن مستقبل بعيد المنال، فيقوده الإحباط إلى الارتماء تحت بَراثن الفكر المنحرف المتطرف. يقول كبير الباحثين في معهد بروكينغز بواشنطن إريك روزاند: «مع وضع عشرات الدول أُطرَ عمل وطنية لمكافحة التطرف العنيف، بات بإمكانها الآن الاستفادةُ من الأبحاث لمساعدتها على توجيه مسار إستراتيجياتها، وعملية صنع السياسات لديها. لكن على الرغم من هذا الفهم الأكثر عمقًا لتعدُّدية الأسباب التي تغذِّي التشدُّد والتجنيد، غالبًا ما تكون السياسات والبرامج المخصَّصة لمكافحة التطرف العنيف مدفوعةً بعواملَ سياسية واعتبارات أخرى، عوضًا عن البيانات وغيرها من الأدلَّة. ويظهر هذا الأمر بوضوح شديد عندما يتعلَّق الأمر بإسهام الدِّين في مكافحة التطرف العنيف؛ إذ للدِّين إسهامٌ أكبرُ بكثير في استجابات السياسات من الإسهام الذي تنصح الأبحاث بتأديته». ويرى روزاند أنه (عادةً ما تبيِّن دراساتُ الحالة مظالمَ غير دينية وغير فكرية، مثل الفساد والظلم والتفاوت الاقتصادي والتمييز السياسي. فعادةً لا يكون أولئك المجنَّدون في مجموعات محاربة أو الذين أصبحوا متشدِّدين لارتكاب أعمال عنف متطرف محُفَّزين بالدِّين؛ بل يرَون الدِّين طريقةً لمعالجة مظالمهم، وليحقِّقَ لهم وعدَ المغامرة والانتماء والتحوُّل إلى أبطال).

استنتاجات وتوصيات
في ختام هذا الاستعراض البحثي الموجز لأبرز طرق عمل جامعة الدول العربية في مكافحة الإرهاب، نخرج بمجموعة من النتائج والتوصيات، أبرزها:
  1. هناك فجوةٌ بين النظرية والتطبيق لكثير من اتفاقيات ومعاهدات مكافحة الإرهاب، فالدول العربية التي تفوق قوةُ بعض تنظيماتها المتطرفة أو العنيفة قوةَ الدولة، يجب أن يحدُثَ فيها نوع من الاتحاد العربي لاستعادة الدولة قوتها وهيبتها. وهذا يتطلَّب أخذ موقف عربي جامع من دول غير عربية تدعم الإرهاب بوضوح، وتقيم له تنظيمات في الدول العربية.
  2. استثناء الكفاح من الإرهاب اتخذته بعضُ التنظيمات جدارَ حماية للقيام بممارسات لا عَلاقة لها بالمقاومة، وهذا ما يفرض على مجلس وزراء الداخلية العرب إعادةَ النظر في المادة الثانية من الاتفاقية، بما يسمح بعدم تبرئة تنظيمات تدَّعي المقاومةَ من وصمها بالإرهاب.
  3. لا ينبغي الاعتمادُ على المعالجات العسكرية فقط في مكافحة الإرهاب، فالوقت قد حان لتقوم الدول العربية بنقدٍ ذاتي بنَّاء، يسمح بممارسة حرية التعبير ضمن دائرة القانون، وللإقرار بالحقوق الاقتصادية للفئات الشعبية الفقيرة، ومن المهم تأسيسُ صندوق عربي لدعم الاقتصادات العربية الضعيفة.
  4. يجب إعادةُ النظر في تعريف الإرهاب في الاتفاقية، فقد جاء فضفاضًا وغامضًا، ووضعُ تعريفٍ جديد يتَّسم بالشمول والدقة والوضوح، يراعي مخاطر الإرهاب المستجدَّة، ولا يهدِّد المعارضات السياسية السِّلمية.