يُعَدُّ الإعلام عنصرًا أساسيًّا في الإستراتيجيات العامة للدول، ولا سيَّما في أوقات الأزمات والحروب؛ وذلك لدوره المُهم في تكوين الوعي الجماعي للمواطنين، وقدرته على التأثير والإقناع. وفي الوقت الذي يواجه فيه العالم العربي حربًا حقيقية على الإرهاب؛ يُصبح الإعلامُ بوسائله المختلفة جزءًا أساسيًّا في المواجهة الشاملة، وعبر وسائل الإعلام الجديدة على نحو خاص، التي فرضت وجودها على حساب وسائل الإعلام القديمة.

الأهمية
تستغل الجماعات الإرهابية التقدُّمَ الكبير في تقنيات الاتصال، مثل: شبكات التواصل الاجتماعي، والمدونات الإلكترونية، وتطبيقات الهواتف النقالة؛ لتطوير خُططها الإعلامية، والوصول إلى جمهورها المستهدَف داخل الدول العربية وخارجها، فضلًا عن استخدام الدِّين غطاءً لكسب التعاطُف، وتجنيد الأعضاء الجدد. لذا، فإنَّ التصدِّيَ لهذه الجماعات يتطلبُ إستراتيجيةً إعلامية عربية قادرة على مواجهة تحديات الحاضر، وتوفير متطلبات المستقبل.

والإستراتيجية الإعلامية تَعني خُطة مُحكَمة طويلة الأمد، تُستخدم فيها وسائل الإعلام المناسبة، والرسائل الصحيحة، والكوادر المؤهلة في الوقت المناسب؛ لتحقيق الأهداف المرجوَّة. وتأتي أهمية الإستراتيجية الإعلامية العربية المشتركة من مُنطلق أنَّ ظاهرة الإرهاب تُمثِّل إحدى أخطر المشكلات التي يُواجهها العالم العربي، ولا سيَّما مع تفاقم المآسي والأضرار الناتجة عنه، التي لا تقتصرُ على إزهاق أرواح الأبرياء، وإلحاق الأضرار الفادحة بالممتلكات وحسب؛ بل يتعدَّى الأمر إلى استهداف كِيانات الدُّول، والعبث بأمنها واستقرارها، والقضاء على عوامل التنمية والتقدُّم فيها. لذا، فإنَّ دعم الحكومات العربية لهذه الإستراتيجية يساعدُ على نجاحها واستمرارها، ويعزِّز سُمعتها في مكافحة الإرهاب، محليًّا ودوليًّا، ويُسهم في إعداد الكفاءات الإعلامية وتأهيلها، وتطوير المحتوى الإعلامي المتعلِّق بمكافحة الإرهاب، مما ينعكسُ على النجاح الأمني في مواجهة هذه الظاهرة المدمِّرة. 

الأسباب 
 هناك أسبابٌ عدَّة تفرضُ وجود إستراتيجية إعلامية عربية مشتركة في مواجهة خطر الإرهاب، منها: 
  • أن الإعلام العربي، بوصفه جزءًا رئيسًا في الجهود الدولية المبذولة لمكافحة التطرف والإرهاب، وردع المخاطر التي تهدِّد استقرار العالم، يتطلَّب وجودَ إستراتيجية إعلامية عربية تُسهم في تعزيز الأمن والسلام، ولا سيَّما مع تبني التنظيمات الإرهابية خُططًا إعلامية مُتطوِّرة، تساعدُ على الترويج لأفكارها، وكسب المتعاطفين والموالين، وتجنيد العناصر الجديدة.
  • وجود إستراتيجية إعلامية هو مكوِّنٌ أساسي في الحكم، وضرورةٌ للأمن القومي؛ فهي تُساعد الدُّول على تحقيق أهدافها وغاياتها. وتتطلَّب بيئةُ الإستراتيجيات المُعاصرة وجودَ علاقات قوية بين وسائل الإعلام والحكومات في مواجهة المخاطر الإرهابية المحتملة. 
  • التحوُّلات السريعة في بيئةِ المعلومات، والطرق المتطوِّرة في تنفيذ العمليات الإرهابية، والنجاح النسبي للجماعات المتطرفة في استغلال الإنترنت لخدمة أغراضها الخبيثة، والوصول إلى الجمهور في دول العالم المختلفة؛ كلُّ ذلك يتطلَّب إستراتيجيةً موحَّدة تستخدمُ الإعلام سلاحًا لدعم الأهداف الوطنية، وتنمية الوعي العربي، وتجفيف منابع الفِكر المتطرِّف.
  • تساعدُ الإستراتيجية وسائلَ الإعلام على إعادة تقويم إبرازها لحوادث الإرهاب؛ لتُصبح أكثرَ مسؤولية، لا تسعى إلى الإثارة، ولا تساعدُ على ترويج الجرائم؛ بل تتمتع بمضمونٍ جيِّد، مبني على المصداقية، يمارسُ دوره في توعية الجماهير، ويتكامل مع دور الدُّول في مواجهة هذا الخطر. وطبقًا لما يؤكِّده الخبراء الأمنيون، فإنَّ الإرهاب لا يهمُّه عدد الضحايا؛ بل يريد أن يُسمعَ الناسَ صوتَه؛ ومن ثَمَّ فإنه يستفيد من "التغطيات الإعلامية" غير المسؤولة، التي تسعى للسبق الصحفي، بغض النظر عن عواقبه وآثاره السلبية.
  • ضرورةُ الضوء على جهود الدول الإسلامية والعربية في محاربة الإرهاب، وتجفيف منابع الفكر المتطرِّف، وتقديم الصورة الصحيحة للدِّين الإسلامي الحنيف التي ترفض العُنف، وتدعو للتسامح والسلام، مع التأكيد أنَّ الإرهاب هو نتاج عقليَّات فاسدة، وقلوب قاسية.
  • ضرورةُ برامج الدول العربية في كيفية التعامل مع العائدين من التنظيمات الإرهابية، وتبنِّي سياسات إعلامية تندرجُ تحت نطاق واسع لمكافحة التطرُّف العنيف، والاستفادة من التجارب المحلية والدولية في إعادة تأهيلهم وإدماجهم في المجتمع.

الأهداف 
تسعى الإستراتيجية العربية المشتركة لتحسين تعاون الحكومات العربية في مواجهة خطر الإرهاب، وتحقيق الأمن الوطني، على النحو الآتي:
  • توحيد جهود الإعلام العربي في التصدِّي للدعاية المُضلِّلة التي تُمارسها التنظيمات الإرهابية، واعتماد نهج واضح يهتمُّ بالجوانب الدينية والإنسانية والاجتماعية، تشاركُ فيه الحكومات العربية، وتتعاون معه المنظمات الدولية والإقليمية ذات الصلة، فضلًا عن الاستفادة من جهود القطاع الخاص والمجتمع المدني في هذا المجال.
  • إعداد البرامج والخطط المدروسة؛ لتوعية الرأي العام العربي بخطر الإرهاب، وسعيه الحثيث لتخريب العقول، وترويع الآمنين، ونشر الفوضى، ومن ثَمَّ تكوين رأي عام يدعم الترابط العربي، ويناهضُ التطرُّف بجميع أشكاله.
  • تعزيز الوحدة الوطنية التي يسعى الفكر الإرهابي لتفكيكها وهدمها، وإطلاع المواطن العربي على ما يُحاكُ له من أعمال تخريبية، ومعرفة نتائجها الوخيمة على الفرد والمجتمع.
  • تبادل الخبرات لحماية الأطفال والمراهقين من مخاطر التقنيات الحديثة، وإمكانية وصول الإرهابيين إليهم عبر هذه التقنيات، ولا سيَّما الألعاب الإلكترونية، ومواقع التواصل الاجتماعي، وكيفية الاستخدام الإيجابي لها.
  • إظهار الصورة الحقيقية للدين الإسلامي الحنيف، التي تنبذُ كلَّ أشكال العُنف والإرهاب، وترفضُ الغلوَّ والتطرف، وتدعو إلى التسامح والتآخي والتعايش مع الآخَر.
  • تعزيز التفاعل بين المؤسسات الإعلامية العربية المعنية، وبناء فهم مشترك لمصادر التهديد الإرهابية المحتملة، ودراسة تأثيراتها، ولا سيَّما التهديدات غير التقليدية، مثل: حروب الجيل الخامس، والحروب السيبرانية على نحوٍ خاص، التي أصبحت أحدَ أخطر التهديدات للأمن الوطني للدول في القرن الحادي والعشرين.
  • إنشاء قنوات فضائية، وتبنِّي مبادرات وشراكات إستراتيجية؛ وتفعيل التعاون بين الإعلام الرسمي و الخاصِّ في محاربة التنظيمات الإرهابية، والاستفادة من خبرات القطاع الخاصِّ وأدواته في مراقبة وسائل الإعلام الاجتماعية، وتتبُّع القضايا المثارة في شبكات الإنترنت، ووضع خطط إعلامية استباقية لمواجهة هذه المخاطر.
  • التنسيق مع المؤسسات التعليمية في توعية الشباب بمخاطر التطرُّف، ووضع البرامج الهادفة إلى تعزيز قيم التسامح، وإيجاد مساحات آمنة لمشاركة الشباب مخاوفهم، ومناقشة القضايا المتعلِّقة بالتطرف والإرهاب.

المعوِّقات
من المعوِّقات أمام تنفيذ الإستراتيجية العربية المشتركة: 
  1. نقص الفِرَق الإعلامية المؤهلة علميًّا وعمليًّا لمواجهة السياسات الإعلامية للتنظيمات الإرهابية، على الرغم من وجود كليات تخرِّج أفواجًا عديدة في التخصُّصات الإعلامية المختلفة، إضافةً لنقص الفِرَق الفنية المتخصِّصة في هذا المجال.
  2. ضعف التنسيق بين الأجهزة الإعلامية العربية، وغياب التعاون بين الإعلام الخاصِّ والحكومي، وضعف التنسيق بين المؤسسات الحكومية نفسها في مواجهة خطر الإرهاب. 
  3. عدم المواءمة بين الخطاب الإعلامي العربي الرسمي أحيانًا والإعلام غير الرسمي؛ مما يُحدِثُ مشاكلَ في المواقف، وبروز الإعلاميين أصحاب التوجُّهات الخاصَّة.
  4. وقوع خلافات سياسية بين الحكومات العربية في بعض الأوقات؛ تعوق التعاون بين الأجهزة الإعلامية، فضلًا عن غياب سياسة عُليا تلتزم بإعلام مسؤول ومهني في مواجهة الظاهرة.
  5. غياب الأسلوب العلمي في التعامل مع الجمهور، وإهمال مخرجات الدراسات التي أُجريت في مراكز الأبحاث المستقلة، ولا سيَّما دراسات الرأي العام، ومتطلبات الجمهور.
  6. زيادة تأثير الفضائيات، وشبكات التواصل الاجتماعي في المجتمعات العربية ورؤيتها للتنظيمات الإرهابية؛ نتيجةً لعدم دعم المؤسسات الإعلامية الوطنية، وتعزيز قدرتها على التنافس في السوق الإعلامية المفتوحة.

وسائل التنفيذ 
يتطلَّب ردعُ المخاطر المرتبطة بالتنظيمات الإرهابية وجودَ الآتي: 
  • إنشاء منظومة إعلامية فاعلة على المستويات الإستراتيجية والعملياتية والتعبوية، وتعزيز التبادل الإعلامي بين الدول العربية؛ لإيجاد رؤية عربية مشتركة تجاه الأحداث والقضايا الإرهابية.
  • إعداد فِرَق إعلامية عربية مؤهلة، قادرة على التعامل مع تقنيات العصر، ومُدركة لأهداف رسالتها لتحقيق أهداف الإستراتيجية، وفتح قنوات اتصال مع المؤسسات الإعلامية العربية للوصول إلى فهمٍ مشترك لكيفية مواجهة مخاطر الإرهاب.
  • تحليل المحتويات الإعلامية للتنظيمات الإرهابية في المواقع الإعلامية التابعة لها، والإسهام في إعداد شبكة إنذار مبكر؛ تُساعد على معرفة التهديدات المحتملة، وتحديد خصائصها وصفاتها، والحدُّ من تأثيراتها.
  • إنشاء كِيان متخصِّص؛ يتولَّى تقويم "التغطيات الإعلامية" المتعلِّقة بالإرهاب، وتنظيم البرامج الإخبارية وإدارتها، بما ينسجمُ مع المصالح الإستراتيجية للدول العربية، مع قدرة هذه الجهة على ترجمة توجيهات القيادات العربية إلى سياسات إعلامية متطوِّرة.
  • تكثيف البرامج والندوات الإعلامية داخل الوطن العربي وخارجه، والتنسيق مع المؤسسات الإعلامية الأجنبية؛ لإبراز الصورة الحقيقية للإسلام، التي تدعو إلى المحبة والسلام، والارتقاء بالعلاقات الإنسانية بين الأفراد والأمم والشعوب.

وفي الختام 
لا شك في أنَّ ظاهرة الإرهاب من أهمِّ المشكلات التي تؤرِّقُ العالم بصفة عامة، والدول العربية بصفة خاصة، وقد استفحلت هذه الظاهرة بدرجة لم تَعُدِ الدولُ بمفردها قادرةً على مواجهتها. ولدور الإعلام، بوصفه سلاحًا مهمًّا في مواجهة هذا الخطر، محليًّا ودوليًّا، باتت هناك ضرورةٌ لتفعيل إستراتيجية عربية موحَّدة، لا تقتصر على التنديد بالإرهاب وإدانته وحسب؛ بل تتَّخذُ خطواتٍ عمليَّةً في مكافحته، وتفنيد مزاعمه وأباطيله، تعتمدُ على أُسس علمية، ويُديرها مؤهَّلون متخصِّصون مع ضرورة دعم الحكومات العربية لها، وإزالة المعوِّقات التي تعترضُها.