لم يعد خافيًا أن الطائرات المسيَّرة الصغيرة «الدرونز» هي واحدة من أبرز الأسلحة التي تسعى التنظيمات الإرهابية لاقتنائها واستخدامها في عملياتها الإجرامية؛ فهي تتميَّز برخص ثمنها، وسهولة تشغيلها، وقدرتها على الإفلات من الرصد الأمني، ودقة إصابة الهدف، وعدم التضحية بالعنصر البشري. ولا تقتصر مهمة الطائرات المسيَّرة على تنفيذ هجمات متطورة فقط؛ بل صارت تُسهم في التجسس وجمع المعلومات وتهريب المخدرات التي تُستخدم عائداتها في تمويل هذه الجماعات.

​استخدام مُتصاعد

وبحسب مؤشر الإرهاب العالمي الصادر عن معهد الاقتصاد والسلام لعام 2023م، فإن الاعتماد على الطائرات المسيرة لشنِّ هجماتٍ إرهابية ينمو بسرعة كبيرة. وعدَّ التقريرُ 65 منظمة قادرة على استخدام «الدرونز» في عملياتها، منها تنظيمُ داعش، وتنظيمُ بوكو حرام، وجماعةُ الحوثي. وحذَّر التقريرُ من أن عدم اتخاذ تدابير سريعة وقوية يجعل هذه الطائرات مصدرَ قلق كبير في الحاضر والمستقبل.

وفي ظل تلك المؤشرات، وعدم وجود إطار قانوني أو أخلاقي يمنع وصول هذه المسيَّرات إلى أيدي التنظيمات الإرهابية، فإن هناك سباقًا داخل المؤسسات العسكرية والأمنية لتطوير أنظمة مضادة تُدمِّر هذه الطائرات، أو تمنعها من الوصول إلى أهدافها التخريبية، مع الأخذ في الحسبان صعوبة رؤية تلك المسيَّرات بالعين المجرَّدة، وعجز رادارات الدفاع الجوي- المصمَّمة لرصد الطائرات الكبيرة- عن رؤيتها. على أن بعض الأنظمة التقليدية المضادة للطائرات، وإن كانت فعالة ضدَّ الطائرات المسيَّرة الصغيرة، فإن تكلفتها المرتفعة -مقارنةً بالتكلفة المنخفضة للطائرة غير المأهولة- تجعلها مسألةً معقَّدة وحلّّا غير مستدام. فعلى سبيل المثال، تزيد تكلفةُ صاروخ «باتريوت» واحد عن مليون دولار، في حين يبلغ سعر الطائرة المسيَّرة الصغيرة أقلَّ من 500 دولار.

وبالنظر إلى التصدي لهذه الطائرات؛ توجد تقنيات مختلفة قيد الاستخدام والتطوير، ويُشار إلى هذه التقنيات باسم «الأنظمة المضادَّة للطائرات من دون طيار»، وهي تَستخدم مجموعةً متنوعة من أجهزة الاستشعار لكشف المكونات المادية للمسيَّرات، ومراكز القيادة التي تتحكم فيها، إضافةً إلى دمج وتحليل البيانات المتعلِّقة برصد الخطر وتتبُّعه وتدميرهِ أو تحييده. ويتيح هذا النظام أيضًا وضع تصوُّر شامل لحجم التهديد الذي تشكِّله هذه الطائرات، واتخاذ القرارات المناسبة في الوقت المناسب. 

مراحل استهداف «الدرونز»

استهداف الطائرات المسيَّرة يمرُّ بعدد من المراحل، يمكن توضيحها على النحو الآتي:

المرحلة الأولى: الكشف: وهي عملية استشعار وجود الطائرة المسيَّرة من قِبل مركز السيطرة، والتمييز بين الطائرة المسيَّرة والطائرة التجارية أو أي أجسام أخرى. وتستخدم أنظمة مكافحة الطائرات من دون طيار تقنيات كشف مختلفة للتعرُّف على هذه الطائرات في المجال الجوي، مثل: الرادار، والماسحات الضوئية للترددات الراديوية (RF)، وأجهزة الاستشعار الصوتية، وأجهزة الاستشعار البصرية. وتستطيع أنظمة الرادار اكتشاف المسيَّرات والتعرُّف على حجمها وسرعتها وأنماط طيرانها، وتقوم ماسحات الترددات اللاسلكية بمراقبة الترددات اللاسلكية التي تستخدمها هذه المسيرات للاتصالات، ويمكن لأجهزة الاستشعار الصوتية اكتشاف التوقيعات الصوتية الفريدة للطائرات، في حين يمكن لأجهزة الاستشعار البصرية اكتشافها وتتبعها بصريّا.

وينبغي التنويه إلى عدم وجود تقنيةٍ واحدة قادرة على كشف جميع أنواع الطائرات من دون طيار وتعقُّبها في جميع الظروف؛ فالأنظمة الكهربائية البصرية لا تعمل إلا في النهار، في حين تحتاج الأنظمة الكهربائية البصرية والأنظمة العاملة بالأشعة تحت الحمراء، إضافةً إلى بعض الأنظمة العاملة بالترددات اللاسلكية؛ إلى خط تسديد مباشر باتجاه الهدف، مما يعني وجود حالات قد لا يتمكَّن الإجراء المضادُّ من كشف هذه الطائرات وتعقُّبِها.

المرحلة الثانية: تحديد الموقع والمسار: ويعني تحديد موقع الطائرة ومسارها في وقت محدَّد، مما يمكِّن مركز السيطرة من تتبُّعها؛ فبمجرد اكتشاف الطائرة من دون طيار، يجري استخدام أنظمة التتبُّع لمراقبة موقعها ومسارها، ويمكن لهذه الأنظمة استخدام الرادار أو الكاميرات أو أجهزة الاستشعار الأخرى لتتبُّع حركة الطائرة ضمن الوقت الفعلي، مما يساعد في تقييم مستوى التهديد، والتخطيط للردِّ المناسب.

المرحلة الثالثة: التصنيف وتحديد الهُوية: في هذه المرحلة تُصنَّف الطائرة سواء على نحو تلقائي أو من قِبل مشغِّل النظــام، ويُحدَّد نوعها، والمجموعة التي تنتمي إليها، والشركة المصنِّعة، ونظام الاتصال، والعنوان الفعلي للمودم الخاص بالطائرة، ويُنفَّذ ذلك عبر التعرُّف البصري، أو أخذ بصمات الترددات اللاسلكية، أو تحليل إشارات الاتصال الخاصة بالطائرة. فمعرفة هُوية الطائرة يساعد في تحديد ما إذا كانت تشكِّل تهديدًا، وما إذا كان يجري تشغيلها على نحو قانوني أو غير قانوني.

المرحلة الرابعة: المنع أو التحييد أو التدمير: حيث يمكن أن تُقلع طائرة اعتراضية من دون طيار تُوجَّه تلقائيًّا من المحطة الأرضية، لتقترب من مسيَّرة العدو، ثم تطلق شبكة لاصطيادها. وليس هذا بالضرورة الحلُّ الوحيد لتحييد خطرها، وإنما يمكن أيضًا استخدام تشويش الترددات اللاسلكية؛ إذ إنه يفقدها الاتصال مع مشغِّلها، أو السيطرة على الطائرة والتحكم بها، أو تعطيلها باستخدام أشعة الليزر.

ويوضح الشكل رقم (١) المراحل التي تمرُّ بها الأنظمة المضادة للطائرات من دون طيار، ويمكن استخدام هذه المراحل مرجعًا لفهم مدى الاختلاف بين التقنيات المستخدمة في الأنظمة المضادَّة للطائـرات المسيـَّرة:

 

 

 

الأنظمة والمعدات المضادَّة

يوجد العديد من الأنظمة والمعدَّات الدفاعية المستخدمة في التصدِّي للطائرات المسيَّرة، ويمكن الإشارةُ إلى هذه الأنظمة والمعدَّات على النحو الآتي:

أجهزة تشويش الترددات الراديوية: وهي أجهزةٌ ثابتة أو متحركة، يمكن حملها باليد أو وضعها على عربات متنقلة، تستطيعُ توجيه كمية كبيرة من طاقة التردد اللاسلكي نحو الطائرة المسيَّرة، مما يعطِّل وحدةَ التحكُّم، ويدفعها نحو أربعة سيناريوهات، اعتمادًا على نوع هذه الطائرة ومواصفاتها، وهي: (إجبارها على هبوط متحكم فيه في موقعها الحالي، أو توجيهها بطريقة منتظمة نحو الموقع الذي انطلقت منه، أو إسقاطها من دون تحكم على الأرض، أو جعلها تطير على نحو عشوائي لا يمكن التحكم فيه). وقد أثبتت هذه الأجهزة فاعلية كبيرة في إسقاط الطائرات المسيَّرة، حيث تستطيع اعتراض إشارات التحكُّم في المسيَّرات، واختراق البرامج الموجودة على متنها، وتحديد موقعها بدقة تصل إلى سنتيمترات قليلة، وموقع العربة التي تتحكَّم فيها ضمن دائرة نصف قطرها 10 كيلومترات، ومن ثَم تولِّد المنظومة تشويشًا قويًّا يمنع العدوَّ من التحكم في المسيَّرات تمامًا فتسقط على الأرض، أو التحكم الكامل في المسيَّرة وتوجيهها إلى الطريق العكسي لتضرب من أرسلها.

أجهزة الخداع: ترسل أجهزةُ خداع نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) إشارةً إلى المسيَّرة المستهدفة لتحلَّ محل إشارة الاتصال التي تستخدمها هذه الطائرة للتنقُّل، وبهذه الطريقة، فإنها تخدع الطائرة عن موقعها الحقيقي. وبالتغيير لإحداثيات نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) في الوقت الفعلي المبرمج لحركة الطائرة، وبمجرد أن يكتسب جهاز الخداع السيطرة والتحكم على نظام تحديد الموقع للطائرة، يمكنه توجيه الطائرة إلى أيِّ موقع يحدده. بيد أنه يمكن لأجهزة الخداع أن تعطِّل عن غير قصد أنظمةً أخرى خارج الطائرة المستهدفة؛ مما يشكِّل خطرًا على أنظمة الملاحة المدنية، لذلك يقتصر استخدام هذه الأجهزة على ساحات المعارك، ويُتجنَّب استخدامها في العمليات المدنية.

أجهزة الميكروويف عالية الطاقة: تولِّد أجهزةُ الميكروويف عالية الطاقة (نبضًا كهرومغناطيسيًّا) قادرًا على تعطيل الأجهزة الإلكترونية، حيث تتداخل النبضات الكهرومغناطيسية مع وصلات الراديو، وتعطِّل أو تدمر الدوائر الإلكترونية في المسيَّرات (إضافةً إلى أيِّ جهاز إلكتروني آخر في النطاق) بسبب الجهد الكهربائي والتيارات العالية التي تنشئها. وقد تشتمل أجهزة (HPM) على هوائي لتركيز النبضات الكهرومغناطيسية في اتجاه معيَّن، مما يقلل الأضرار الجانبية المحتملة.

البندقية الكهرومغناطيسية: وهي بندقيةٌ تعمل على بثِّ النبضات الكهرومغناطيسية التي تتسبَّب في تعطيل الطائرة المسيَّرة، ويبلغ مدى هذه البندقية أربعة كيلومترات.

بنادق الشباك: وهي بنادقُ تُطلِق شباكها على المسيَّرة، وعند ملامسة الشبكة للطائرة فإنها تُقيِّد حركتها عن طريق تثبيت شفرات المروحة، ولها ثلاثة أشكال رئيسة:

  • إطلاق الشبكة من البندقية من الأرض لتقييد حركة الطائرة: ويمكن حمل البندقية باليد، أو على الكتف، أو تثبيتها على برج. والمدى الفعَّال يصل إلى 300م.
  • إطلاق الشبكة من طائرة من دون طيار، ويجري استخدام هذه الطريقة من أجل معالجة المدى المحدود للبندقية.
  • إطلاق شبكة معلقة بطائرة مسيَّرة صديقة على الطائرة المسيَّرة المستهدفة.​​​
الليزر عالي الطاقة: وهو جهازٌ بصري عالي الطاقة ينتج شعاعًا ضوئيّا أو شعاع ليزر شديد التركيز، ويعمل هذا الشعاع على تدمير المسيَّرة عن طريق تدمير الهيكل أو الإلكترونيات ونظام التحكُّم.
أنظمة الاستيلاء السيبراني: تُعدُّ أنظمةُ الاستيلاء السيبراني، أو الإزالة السيبرانية، تقنيةً جديدة نسبيًّا لمكافحة الطائرات المسيَّرة، فهي تكتشف إرسالات الترددات الراديوية المنبعثة من الطائرات من دون طيار، وتحدِّد الرقم التسلسلي للمسيَّرة، وموقعها باستخدام الذكاء الاصطناعي، وإذا تأكَّدت هذه الأنظمة أن هذه الطائرة معادية فإنها ترسل إشارة لاختراقها والسيطرة عليها، وتوجيهها إلى مكان آمن.
تدريب النسور على إسقاط الطائرات: انتهج الجيش الفرنسي أسلوبَ الطيور الجارحة لإسقاط الطائرات المسيَّرة عندما تدخل مجالًا جويًّا محظورًا، وتستطيع هذه النسور رصد الطائرات المسيرة على بعد آلاف الأمتار وتعطيلها أو تحييدها.
 
ختامًا
مع الإمكانيات المتعدِّدة لتكنولوجيا الأنظمة الجوية المضادَّة للطائرات المسيَّرة، فإن تلك الأنظمة لا تستطيع الردَّ على جميع تهديدات هذه الطائرات، الأمر الذي يستوجب الاستمرار في تطوير التقنيات الدفاعية؛ لتتمكن من الفوز في معاركها أمام طائرات «درونز» وتحييد خطرها.