​​​​في ظل المتغيرات التي قد تطرؤ على قدرات التنظيمات الإرهابية وانحسارها الجغرافي في أماكن محدودة تمنع من تنفيذ عمليات مؤثرة أو واسعة النطاق، وحفظًا لوجودها على الساحة وبقاء تأثيرها الإعلامي على الأقل يلجأ المتطرفون العنيفون إلى تكييف أنشطتهم وأعمالهم الإرهابية إلى صنوف الإرهاب الممكن ضمن القدرات الفردية أو الجماعية المتاحة، دون حاجة إلى خبرات كبيرة متميزة، أو إنفاق مالي ضخم. وإن تيسير الإرهابيين لخُططهم ووسائلهم، واعتمادَهم على الموارد المتاحة، وإعداد كُتيِّبات إرشادية وإتاحتها لجمهورهم العريض في الإنترنت مجَّانًا، كلُّها أمور تندرج في محاولاتهم تسهيل الأعمال الإرهابية وتعميمها لإحداث أكبر أثر ممكن لها.


التكلفة المنخفضة

لم تزِد كُلفة عملية أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م، التي أعدَّها ونفَّذها تنظيم القاعدة الإرهابي، على ما بين أربع مئة ألف وخمس مئة ألف دولار. وقد أنفق تيموثي مك فاي ما يقدَّر بنحو 5 آلاف دولار على صُنع قنبلته، التي استخدمها في العملية الإرهابية في مدينة أوكلاهوما في أبريل من العام 1995م. وتقدَّر تكلِفة هجَمات باريس في نوفمبر من العام 2015م بما لا يزيد على عشرة آلاف دولار. وبينما كانت مؤامراتُ تنظيمي القاعدة وداعش مرتبطةً مباشرة بالمنظمات الإرهابية، فإن «ماك فاي» هو خير مثال لشخص نفَّذ هجومه مع ظهور توظيف الإنترنت في الأعمال الإرهابية، وبدل تنزيل المحتوى من الإنترنت اشترى كتابًا ثمنه 16 دولارًا فقط من إحدى المكتبات يتحدَّث عن (السي فور C4) المتفجر محلِّي الصُّنع. أما اليوم فيجد الأفرادُ المتطرفون والمتشدِّدون، والمناصرون للجماعات الإرهابية والمتعاطفون معها، موادَّ وأدلَّة إرشادية ومجموعةً متنوعة من أفكار الهجوم منخفضة التكلفة، مع الدعاية لها والإغراء بها، وهي متاحة في الإنترنت مجانًا، ومن السهل جدًّا تحميلها واستعمالها وتطبيق ما فيها. 

ويعرض هذا المقال للدِّعاية المتطرفة التي تروِّج لخُططٍ ووسائلَ إرهابية بميزانية منخفضة، وكيف يُعيد المتطرفون والإرهابيون تدوير هذه الخُطط والوسائل لتنفيذ أفكارهم المتطرفة. ويناقش خفضَ تكاليف الانخراط في الأنشطة الإرهابية، وكيف باتت الاتصالاتُ بواسطة الإنترنت قليلةَ التكلِفة المالية وسهلة التوظيف والوصول. وعلى كثرة المواضيع المهمَّة المتعلِّقة بهذه المسألة، تُعنى المقالة بموضوع الإنترنت تحديدًا؛ فقد أحدثت التقنيات المشفَّرة واللامركزية الافتراضية نُقلةً نوعيةً في مجال الاتصالات. أما ما يتصل بالإرهاب فقد أدَّى ذلك إلى تسهيل الوصول إلى المحتوى التعليمي، وتبادل المعلومات الخاصَّة عن طرائق تنفيذ الهجَمات الرخيصة. ولعلَّ الترويج الواسع للخُطط التي تستخدم أسلحةً رخيصة غير متطوِّرة، والوصولَ السهل إلى هذا المحتوى، هي عواملُ مقلقةٌ تجعل الكشف أمرًا أكثر صعوبة.


الترويج الرخيص

ليس تنظيم داعش الإرهابي المنظمةَ الوحيدة التي تروِّج لإرهاب «افعلها بنفسك»، ولكنَّ التنظيم يشتَهر بشبكة واسعة من الداعمين عبر الإنترنت من سيِّئي السمعة الذين ينشرون موادَّ تتضمَّن تعليماتٍ وإرشادات واضحةً عن طرائق صُنع المتفجرات، ووسائل استخدام السكاكين، وتنفيذ هجَمات الدعس بالمركبات، وغير ذلك من أعمال الإرهاب السهلة الرخيصة. 

وعلى الرغم من التُّخَمة في الموادِّ التعليمية المجانية المتوافرة على المِنصَّات الإلكترونية الموالية لداعش، فإن مقدار المحتوى الرسمي الذي يُصدره التنظيم باللغة الإنجليزية يُعَدُّ قليلًا مقارنة بما تُصدره الجماعات الإرهابية الأخرى. فقد احتوت خمسةُ أعداد فقط على محتوًى تعليمي من أعداد مجلة التنظيم الثلاثةَ عشر التابعة لتنظيم داعش الإرهابي، في حين احتوى اثنا عشر عددًا من أعداد مجلة أخرى التابعة لتنظيم القاعدة الإرهابي على سبعة عشر محتوًى تعليمي مماثل. 

وتجدُر الإشارة أيضًا إلى أن الإرشاداتِ الواردةَ في مجلة تنظيم القاعدة كانت أكثرَ شمولًا وسهلة في الاستخدام. أما مجلَّة تنظيم داعش الإرهابي فقد أولت الترويجَ للهجَمات الخفيفة باستخدام وسائلَ متاحة بسهولة كالأسلحة، اهتمامًا خاصًّا. وقد وُجد أن زيادة هجَمات داعش ذات الوسائل الخفيفة إنما تُبرز زيادةَ انتشار التنظيم الإرهابي، هذا إضافةً إلى الاعتماد على الدعاية الرسمية التي ينهض بها أنصارُه.

ويعوِّض مناصرو داعش هذا النقصَ بمشاركة نُسَخٍ من الذكريات الجهادية في مجلات تنظيم القاعدة التي تُصدرها حركة الشباب الصومالية. وأعدُّوا مجموعةً من الإرشادات غير رسمية خاصَّة بهم من إرشادات ومصادر مختلفة، منها مصادرُ تدريب ميداني قديمة خاصة بالجيش الأمريكي. كما أن لتنظيم داعش الإرهابي دليلًا ضخمًا باللغة الإنجليزية على الشبكات الخاصَّة به يحتوي على أكثر من خمسة آلاف صفحة، ويقدِّم نصائحَ عن استخدام الإرهاب الرخيص، ويشجع القرَّاء على استعمال الأدوات المنزلية اليسيرة، متبوعةً باقتباسات وتعليمات مأخوذة عن مجلة تنظيم القاعدة. وخلافًا لتيموثي ماك فاي الذي اضطُرَّ إلى شراء دليل ورقي يساعده على صُنع قنبلته، يمكن للأفراد المتطرفين اليوم الحصولُ على مقدار ضخم جدًّا من التعليمات الإرشادية عبر مِنصَّات الإنترنت المشفَّرة. 


إستراتيجيات النشر

حظيت الخُطط والوسائل الإرهابية المنخفضة التكلِفة باهتمامٍ كبير وإقبالٍ أكبر، فبها يمكن للإرهابيين نشرُ تعاليمهم النصية والمرئية بحرِّية في مختلِف منصَّات التواصل الاجتماعي، ولا سيَّما المشفَّرة منها. وتشمل إستراتيجياتُ النشر لديهم في الإنترنت ما يأتي: 

  • مشاركة الكتب الإلكترونية والمقاطع المصوَّرة «فيديو».
  • تلخيص التعليمات المطوَّلة في خُلاصات وجيزة «رؤوس أقلام» يسهُل فهمها، وإدراج الموادِّ المطلوبة على شكل «وصفات» ضمن المنشورات. 
  • مشاركة روابط مِنصَّة تليجرام عامَّة، ومِنصَّة تليجرام خاصَّة بقنوات لنشر تعليمات عن القنابل والهجَمات. 
  • مشاركة لقطات شاشة لوصفات صناعة المتفجرات.

خُطط بُدائية

إن مجانية المحتوى المنشور وسهولة الوصول إليه تُتيحان للمتطرفين من مختلِف التوجُّهات والأفكار المتطرفة، معلوماتٍ عن أفضل طرائق تنفيذ هجَمات إرهابية، وقد روَّج المتشدِّدون البيض اليمينيون مثلًا في شبكات تليجرام الخاصَّة بهم إرشاداتٍ للإرهابيين مقتطفة من مجلة تنظيم القاعدة الإرهابي ومقطعًا تعليميًّا مصوَّرًا لتنظيم داعش الإرهابي يُوضح طريقة إنتاج المتفجرات. وهذا بلا ريب يُبرز أهمية المحتوى المتطرف من مصدره الأصلي. وعلى الرغم من هذا التداخل يختلفُ أسلوب مشاركة المعلومات بين المتشدِّدين البيض ومجتمعات تليجرام الموالية لتنظيم داعش الإرهابي؛ إذ يُنشئ أنصار التنظيم قنواتٍ تهتم بالمحتوى الإرشادي، على حين يتبادل المتشدِّدون البِيض الكتيِّباتِ في مجموعاتهم التي قد تحتوي روابطَ في «ويب المظلم» لمواقع تجارة الأسلحة.

وبغضِّ النظر عن طريقة النشر أو الفكر الذي يتصفُ به المصدر الأصل، فإن المتطرفين قد ينشرون تعليماتٍ تتبع مجموعة متطرفة معارضة لهم، وذلك لمعرفة حقيقة الفكر المعارض لهم. ومن المهم ملاحظةُ الإضافات والتعديلات التي تجريها هذه المجموعات أو الأفراد عليها.

قد تبدو معالجةُ الجوانب الإلكترونية للإرهاب الرخيص بادئ الأمر مجرَّدةً إلى حدٍّ ما، وبعيدة عن صُلب الموضوع؛ إلا أن الصورة تتضح أكثرَ عند معرفة أن هذا المحتوى المجاني الذي يبيِّن كيفية تنفيذ هجوم ما قد ساعد الإرهابيين على اختلاف توجهاتهم في مناسبات غير قليلة. ومن الملحوظ أن الأفراد الذين ليسوا على اتصال مباشر بمراكز المنظمات الإرهابية يميلون إلى اختيار ما يصنِّفه الباحثون على أنه «وسائلُ منخفضة التعقيد، ومتاحة مجانًا، مثل المركبات والأسلحة غير البارودية، وذلك بسبب شُحِّ الموارد ووسائل الاتصال». ومع ما تمتاز به المنظماتُ الإرهابية من قدرة على جمع الثروات فإن المناصرين ممَّن ليس لديهم صلةٌ مباشرة بها يعتمدون غالبًا خُططًا بُدائية لتنفيذ هجَماتهم، وذلك بسبب عدم قدرتهم على تلقِّي التدريب المناسب. ويُعَدُّ تنظيم داعش الإرهابي مثالًا رئيسًا وبارزًا لهذا الجانب؛ فقد استمدَّ التنظيم الإرهابي أمواله ودخله في أوج ازدهاره وانتشاره من مصدرَين رئيسين اثنين هما: فرضُ الضرائب على أرض الخلافة المزعومة، وبيع النفط المنهوب؛ مما جعله «أغنى تنظيم إرهابي على مدار التاريخ». وقد عرضَ التنظيم الإرهابي أيضًا صورًا لعُملاته المعدِنية في دعايته الرسمية؛ ترويجًا للاستقلال المادِّي لدولته المزعومة واكتفائها الذاتي، ولكنَّ ذلك كان بمنزلة لفتة رمزية أكثرَ من كونها وسيلةً لجمع ثروة حقيقية. وفي المقابل نفَّذ أنصار تنظيم داعش الإرهابي من خارج أراضيه هجَماتٍ رخيصةً مستخدمين أسلحة بُدائية كالسكاكين والسيارات. وقد خلَصَت دراسة إلى أن غالبية الهجَمات في الدول الغربية بين عامي 2014-2019م كانت «ذات خُطط بُدائية» و«رخيصة جدًّا» وأحيانًا «دون تكلِفة».


الإرهابيون المغمورون

من ناحية أخرى بات أنصارُ تنظيم داعش الإرهابي في الولايات المتحدة مثالًا مهمًّا عن الانخراط في الأنشطة الإرهابية، وبعضُ هذه الأنشطة لا عَلاقة له بتنفيذ هجَمات في بلدانهم، مثل محاولة السفر إلى أراضي داعش. وقد ذكر تقريرٌ صادر عن برنامج جورج واشنطن عن التطرف أن غالبية الأفراد المشمولين في الدراسة (من أنصار داعش الأمريكيين) قد جمعوا الأموال بأنفسهم، وليس لديهم شبكةُ دعم واسعة، مما يعني أنهم لم يتلقَّوا أيَّ دعم أو مساعدة مالية من الآخرين، بأي صورة من الصور أو طريقة من طرق الدعم، حتى لو كانوا جزءًا من شبكات صغيرة. 

ويقدِّم بيان «أندريس بريفيك» الذي ارتكب هجمات النرويج في عام 2011م، والمكوَّن من 1500 صفحة، رؤيةً جيدة بشأن طرائق تشجيع الآخرين على تمويل هجَماتهم، إضافةً إلى تقديمه تفسيرات عن الأساليب التي نجحت أو لم تنجح معه. على عكس الأدلة التي تقدِّمها الجماعات الإرهابية التي تقترح وسائلَ رخيصة، يمكن الحصول عليها بسهولة لشن هجمات. فقد شجع «بريفيك» الأشخاصَ المتعاطفين على لعب لعبة مالية طويلة الأمد، كما شجع الأفراد المفلسين منهم أو المـَدينين الذين لا يتمتعون بدخلٍ مستقر على زيادة عدد بطاقات الائتمان، وجمع التبرعات بين الأفراد من ذوي التوجهات المماثلة، تحت ستار أنها لغايات خيرية غير عنيفة. 

وعلى الرغم من توافر المعلومات المتعلِّقة بالاستثمارات المالية لمؤيِّدي تنظيم داعش الإرهابي في الأنشطة المتطرفة العنيفة، لم يجرِ فحصُ البيانات المتعلِّقة بأموال المتطرفين والإرهابيين البِيض. ومما يجدُر ذكره أن البحوث السابقة قدَّمت رؤًى ثاقبة عن هجَمات الإرهابيين المغمورين، ومدى صلتهم بالأدلة الإرشادية للدعاية الرسمية لمختلِف الجماعات المتطرفة والمنظمات الإرهابية. وقد غيَّرت وسائل التقنية العصرية الإنترنت والتطبيقات المشفَّرة مفاهيمَ الانخراط والمشاركة في دعم الإرهاب، على ما يتَّضحُ من الدعاية المتطرفة غير الرسمية، والتعليقات الواردة من المتطرفين أنفسِهم الذين يشعرون أنهم بمشاركتهم الموادَّ الإرشادية في الإنترنت فإنهم ينتمون إلى فكر الجماعة التي ارتضَوها وآمنوا بها. وتُتيح التطبيقات المجانية التي تمتاز بقدُرات التشفير العالية، ومشاركة الملفَّات الكبيرة الحجم بيُسر وسرعة وسهولةَ تدفُّق المعلومات؛ مما يسمح للمتطرفين والإرهابيين والمتعاطفين معهم بالوصول إلى المحتوى التعليمي والعملي وتنزيله مجانًا.


خاتمة القول

يعتمد المتطرفون العنيفون الذين ينفِّذون هجَماتٍ رخيصةً وسهلة لا تحتاج إلى كبير مهارة، على سهولة الوصول والتكاليف المالية اليسيرة؛ لضعف مهاراتهم التدريبية. وكذلك الذين يشجعون على تنفيذ هذه الهجَمات، فإن هؤلاء لا يتركون وراءهم أيَّ دليل على سلوك مالي غير مشروع، مما يزيد من صعوبة اكتشاف أنشطتهم، ويُبرز أهمية استحداث تدابير اكتشاف جديدة. ويجب اتخاذُ إجراءات ماليةً لمكافحة الإرهاب، ودراسة مسارات مشاركة المحتوى التعليمي، وكيف أن المتطرفين يعيدون صياغةَ أدلَّة تعليمية من موادَّ سابقة.