​استفحل الإرهابُ القائم على الخطاب الأصولي استفحالًا كبيرًا في العقود الأخيرة، على طول الحدود بين الكاميرون ونيجيريا، تنفِّذ عملياتِه العنيفةَ المجموعةُ المسلَّحة لجماعة أهل السنَّة للدعوة والجهاد، المعروفة باسم «بوكو حرام»؛ وهي من أكبر التهديدات الأمنية لنيجيريا والدول المجاورة، ولا سيَّما الكاميرون. وتعني كلمةُ «بوكو» في لغة الهوسا: التعليم. وكلمة «حرام»: المحظور؛ والاسم المركَّب «بوكو حرام» الذي أصبح علمًا على الجماعة المسلَّحة معناه: التعليم الغربيُّ محظور.

النشأة والتصنيف
نشأت في المنطقة منذ سبعينيات القرن الماضي منهجيةٌ أصولية تعتمد على الخطاب المتشدد في نشر أفكارها وتحقيق أهدافها، وذلك بعد تلقي بعض طلَّاب دول حوض بحيرة تشاد تعاليم الفكر الأصولي الخارج عن المنهج الإسلامي القويم. وأسفرت عودةُ أولئك الطلَّاب إلى بلدانهم عن أنشطة علمية فكرية ودعوية، تعتمد فيها الخطاب المتشدد، وتتبنَّى منهج السلفية الجهادية، وتلجأ إلى العنف لفرض القراءة الحرفية للنصوص القرآنية. وكان منهم أولُ زعيم لبوكو حرام وهو محمد يوسف الذي عاد في سنة 2000م إلى نيجيريا لينشرَ الفكر الجهاديَّ في مسجده في مركز ابن تيمية في مايدوجوري بولاية بورنو، ثم آلت قيادةُ الحركة بعد ذلك إلى أبي بكر شيكاو بعد وفاة محمد يوسف سنة 2009م. وتُعَدُّ بوكو حرام منظمةً عقائدية مسلَّحة تتبنَّى التطرفَ العنيف، وتدَّعي الانتسابَ إلى الإسلام السلفي، وهي تحارب أيَّ رمز للدولة الفيدرالية النيجيرية وللنُّخب التقليدية؛ بتأصيل معيار جديد للحياة الدينية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية على الضفاف الجنوبية لبحيرة تشاد. وتُصنَّف لذلك جماعة بوكو حرام أنها جماعة إرهابية في سياق تنظيم القاعدة وداعش، وهي تتكلَّم باسم الدِّين والمجتمع، على الرغم من أن غالبية ضحاياها من المسلمين أنفسهم. 

وتتنوَّع طرائقُ الجماعة في أعمالها الإرهابية؛ فهي تنفِّذ العمليات الانتحارية، والاغتيالات، واختطاف الرهائن لطلب الفِدية، ونهب الممتلكات، وسياسة الأرض المحروقة. ولا تُجنِّد الأعضاءَ فيها من فئة اجتماعية واحدة أو جماعة عِرقية معينة. ووَفقًا للمصادر المحلِّية فإن أعراق الكانوري والفولاني والهوسا هي العناصرُ المهيمنة التي تتكوَّن منها الجماعة. إضافةً إلى مواطني الجماعات العِرقية في جبال المندرة الذين لا يعتنقون الإسلام بالضرورة، مع أن القاعدة الشعبية لبوكو حرام دينية وليست اجتماعية.

الفكر والمنهج
لا ينبغي أن يُعدَّ الإسلام الأصوليُّ الذي استخدمه جهاديو بوكو حرام في تجديد الحماسة الدينية في شمال نيجيريا نتيجةً حتمية للضعف الاقتصادي والفقر، والإقصاء الاجتماعي والعولمة، وإخفاق نموذج التنمية، فإن تمرُّد بوكو حرام هو حركة اجتماعية لها أهدافُها السياسية الخاصَّة. 

إن الفكر الثوريَّ لحركة بوكو حرام عميق جدًّا، فهي لا تجنِّد أنصارها من علماء الدِّين أو الأوصياء على التقاليد الأخلاقية؛ بل من الطلَّاب الشباب. وقد أدَّى التخصُّص العلمي الكوني والإسلامي لقادة الجماعة الإرهابية في بداية التمرُّد إلى التأثير في الباحثين وتوجيههم لجعل التربية الإسلامية والمدرسة القرآنية من مصادر التطرف العنيف. وتُظهر الدراساتُ الحديثة أن العَلاقة بين تمرُّد بوكو حرام والمدرسة القرآنية هي أساسُ تجنيد الشباب ودفعهم إلى التطرف. وأثبتت دراساتٌ أخرى بأسلوب المقارنة بين المناهج الدراسية في نيجيريا والكاميرون، العَلاقةَ القائمة بين التعليم العالي والتطرف العنيف، من أجل تحرِّي الدقَّة فيما يتعلَّق بالنزعة الفكرية الإسلامية المزعومة للجوء إلى العنف، وكيفية مواجهة ذلك.

ويدعو منهجُ بوكو حرام إلى تجديد المجتمع بالعودة إلى أسُس الإسلام؛ بالقضاء على الظلم الاجتماعي والاقتصادي الذي تتحمَّل مسؤوليته الدولة العَلمانية وعرَّابوها من الغرب المحتل، وذلك بإعادة إحياء الدولة الإسلامية التي يعدُّونها الأملَ الأخير للعودة إلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي.

شمال الكاميرون
يُعد شمال الكاميرون منطقةً مجزَّأة ذات تنوُّع عِرقي وديني، وتتعرَّض إلى تغيُّر دائم. وأوجهُ التشابه بين هذه المنطقة من الكاميرون وشمال نيجيريا كثيرة وثيقة، ويشمل ذلك الاقتصاد، والصِّراعات للوصول إلى الموارد، وإقصاء الحكومة المركزية للمواطنين الشَّماليين سياسيًّا، وضعف الاهتمام بالمسائل الاجتماعية، وهذه القضايا تعزِّز الشعورَ بالظلم المـُفضي إلى استخدام العنف. 

إن الظروفَ على جانبي الحدود متشابهة، بل تكاد تكون متطابقة؛ فالبيئةُ والأشخاص واللغة والدِّين هي ذاتها على طرفي الحدود، وقد رُسم هذا التقسيمُ في زمن الاحتلال مما عطَّل القدرة على تطوير عَلاقات التعاون بين الجهتين تعطيلًا كاملًا.

وفي ظلِّ هذه الظروف يصبح الدِّينُ دافعًا إلى العنف؛ في سياق اندماجي يعاني ضعفَ الرابط الوطني والإقصاء التاريخي الذي أدَّى إلى ظهور جميع أنواع الاتِّجار عبر الحدود، والتهريب واللصوصية وقطع الطرق، مما يجعل شمال الكاميرون بيئةً مناسبة لقَبول العدوى الجهادية لبوكو حرام.

وبسبب الظروف السابقة تعرَّض شمال الكاميرون لتوغُّلات إقليمية مارستها جماعةُ بوكو حرام بتنفيذ عمليات تهريب الأسلحة وتخزينها، ثم تدريجيًّا أصبحت الكاميرون منطقةَ إمدادات غذائية، وتجنيد للمقاتلين، وخطف للأجانب؛ ومنهم صينيُّون وفرنسيون وألمان، مع طلب فِديات كبيرة، مما أدى إلى الاشتباكات الأولى مع الجيش الكاميروني في مارس 2014م. وبداية من هذا التاريخ، تكاد تكون الهجَمات يوميةً في منطقة جبال مندرة، ولا سيَّما في مايو تساناغا ومايو سافا؛ بتنفيذ العمليات الانتحارية وسياسة الأرض المحروقة؛ للانتقام من الهجوم المضادِّ للجيش الكاميروني على الجماعة. 

وترى الحكومةُ الكاميرونية أن هذه الأزمةَ الإرهابية على حدودها ليست سوى نتيجة للأزمة السياسية في نيجيريا. واعتمادًا على هذه الفرضية فإن نظام ياوندي يكتفي بالحفاظ على وَحدة أراضيه فقط. ويبدو أن اعتماد الخِيار العسكري دون ملاحقة مقاتلي بوكو حرام الذين ينسحبون إلى الأراضي النيجيرية بعد اقتراف جرائمهم على الأراضي الكاميرونية، والاكتفاء بالنهج الدفاعي للجيش الكاميروني في مواجهة هجَمات بوكو حرام، لن يتسبَّبَ في الدفع إلى تسوية الصراع الحالي. والحقيقة أن تجميع القوَّات والخطط والاستخبارات في إطار القوة الدَّولية المشتركة يمكن أن يؤدِّيَ إلى حلِّ الصراع في مدَّة زمنية قصيرة، لكن الأمر لا يسير كذلك على أرض الواقع.