تسجيل الدخول
بوكو حرام، تحدِّيات أمنية وتمرُّد متصاعد

الجزء الأول: الجذور التاريخية
خَلَص زعيمُ جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد في نيجيريا محمد يوسف إلى أن التعليم الغربي العَلماني (بوكو) باللغة المحلِّية، (حرام) شرعًا، ويجب تجريمه ومحاربته والقضاء عليه. ومن هنا جاء الاسمُ الجديد للجماعة (بوكو حرام) الذي يعني (التعليم الغربي حرام).
عقيدة الجماعة
تصِرُّ جماعة بوكو حرام على أن التعليم الغربي العَلماني مخالفٌ للإسلام؛ لفرضه الاختلاطَ في المدارس، وتدريس نظرية التطوُّر لداروين، وغيرها مما تراه الجماعةُ جانحًا عمَّا جاء به الإسلام الصحيح. ولا تعترف الجماعةُ بالمعاملات المصرفية والضرائب، وتَعُدُّ تلك الممارسات الاقتصادية والقانونية العصرية دخيلةً على الإسلام ومحرَّمة. 
واجتنابًا لهذه المحرَّمات في المدن الكبيرة، حاولت الجماعةُ إقامة مجتمع معزول عن الواقع النيجيري؛ فحرَّم محمد يوسف على أتباعه الانخراطَ في الديمقراطية والخدمة المدنية والتعليم الغربي، ولم يمرَّ وقتٌ طويل حتى تحوَّلت طائفته إلى جماعة تكفِّر الحكَّامَ والمجتمعَ النيجيري، وباتت تهديدًا وجوديًّا للأمَّة النيجيرية. ولم يكن المقاتلون المتطرفون تهديدًا للأمن الوطني والقومي في بداية النزاع المسلَّح، لكن مع سوء إدارة الصراع من قِبَل السُّلطات، تمكَّن المقاتلون الإرهابيون من إحراز كثير من الانتصارات الميدانية على الحكومة النيجيرية، وبحلول 2014م تمكَّنوا من السيطرة على أراضٍ شاسعة داخل نيجيريا.
وكان مسجدُ ابن تيميَّة المقرَّ الرئيس الذي أدار منه محمد يوسف ثم خلَفُه المتشدِّد أبو بكر شيكاو الحركةَ المتمرِّدة. وكان للجماعة ثلاثةُ أجهزة مهمَّة؛ أولها: المجلسُ التنفيذي الذي يتألَّف من إدارات شتَّى، وثانيها: مجلس الشُّورى، وآخرها: هيئة الحِسبة. 
وأطلق مسؤولون في الحكومة الأمريكية لقب «طالبان النيجيرية» وصفًا لجماعة «بوكو حرام»، في حديث لهم عن هذه الجماعة الإسلامية الأصولية الصغيرة التي هاجرت في أكتوبر 2003م من مايدوجوري إلى ولاية يوبي، وأقام أفرادها في مخيَّمات بقرية صحراوية صغيرة تسمَّى «زاجي بيريري» في منطقة الحكومة المحلِّية في «تارمووا».
شيكاو القائد الثاني
يصف الكتابُ زعيمَ بوكو حرام الأول محمد يوسف بأنه ذو حُنكة وشخصية متميِّزة، ومنتمٍ إلى طائفة سلفية، وكان على علم وثقافة جيدة، بوَّأته مكانة اجتماعية رفيعة، ويُتقن اللغة الإنجليزية، ويتحدَّث بها بطلاقة. إلا أنه زرع بذورَ العنف الفكري في قيادته للحركة، وهيَّأ هيكلها التنظيمي للإرهاب. وبعد مقتله تولَّى أبو بكر شيكاو قيادةَ الحركة، وهرب إلى جمهورية النيجر ليكونَ في مأمن من السُّلطات النيجيرية. 
وكان شيكاو قد وُلد في قرية «شيكاو» بولاية «يوبي»، ولم يتلقَّ أيَّ تعليم رسمي، ولا يعرف الإنجليزية. وكغيره من الأطفال الفقراء انتقل إلى «مايدوجوري» في أواخر السبعينيَّات من القرن الماضي؛ بحثًا عن المعرفة الإسلامية والطعام معًا، حيث التحقَ بمعلِّم محلِّي لتلقِّي علوم الشريعة.
وبات شيكاو مثالًا حيًّا للمغالاة في التطرف؛ لما يحمل من فكر ظلامي متشدِّد. جعل «بوكو حرام» أشدَّ فتكًا وإرهابًا. وكانت رسالته موجزةً وواضحة، تقوم على اتهام السُّلطات في ولايتي «أبوجا» و«بُرنو/بورنو» بالفساد، والإصرار على أن تطبيق الشريعة سينتُج عنه نظام حُكم عادل، وكان يحلم بتطبيق الشريعة في جميع أنحاء نيجيريا. وتمكَّن شيكاو بخطابه العنيف من استقطاب كثير من الشباب الذين نشؤوا على (التسوُّل) في الشوارع، وأقنعهم بأن العدوَّ الحقيقي هو النخبة النيجيرية الفاسدة؛ لمسؤوليَّتها المباشرة عن فقرهم المـُدقِع، وأحوالهم الرديئة. 
وفي الصراع العسكري بين الحكومة وبوكو حرام، يصرُّ الكاتب أن السلطات النيجيرية أضاعت فرصةً ثمينة للتخلُّص من شيكاو؛ ففي يوليو 2009م تمكَّنت السلطاتُ من اعتقال محمد يوسف في بُرنو، ثم قُتل لاحقًا، وأصابت شيكاو بطلق ناري في ساقه، غير أنه تمكَّن من الهرَب.
تاريخ من العنف
هناك أقوالٌ مختلفة بشأن هُويَّة الهجَمات الإرهابية الأولى التي شهدتها نيجيريا، فيرى بعضُ الباحثين أن المهاجمين ينتمون إلى طائفة يوبي طالبان. واتَّهَم آخرون طائفة اليوسفية (أتباع محمد يوسف). وبحسَب الكاتب فإن الهجوم الأول على مركز شرطةِ بانشكارا يُعَدُّ عملًا إرهابيًّا مباشرًا لأبي بكر شيكاو، فقد أصبحت طائفةُ اليوسفية (جماعة بوكو حرام لاحقًا) حينئذٍ واحدةً من الجماعات المسلَّحة القليلة التي تميل إلى العنف، ولديها القدرةُ عمليًّا على تنفيذ هجَمات واسعة؛ من ذخائر، ومقاتلين منظَّمين، وانتشار على الأرض. وأرجع الكاتبُ هذا الجهلَ بنشأة الإرهاب هناك إلى قلَّة المعلومات الاستخباراتية التي كانت متاحةً للسُّلطات النيجيرية آنذاك.
يمكن قراءة المزيد حول هذا الموضوع في العدد 33 من اصدار قراءة في كتاب



20/04/2022 13:30