تسجيل الدخول
علم نفس التطرف
الجزء الأول 
دوافع خلل التوازن
تخضع ظاهرة التطرُّف، كأيِّ ظاهرة سلوكية، إلى مستويات مختلفة من التحليل، تشمل جانبين رئيسَين: الجانب العصبي للظاهرة، والجانب الثقافي، فضلًا عن جوانبَ أخرى تدمجُ بين الاثنين. وتضمَّن هذا الجزءُ في فصوله الستة الموضوعاتِ الآتيةَ وهي: عَلاقة سوء الرغبة غير العقلانية بدافع التطرف، ومواقف التطرُّف، والسلوك المتطرف ونتائجه، والمجموعة المتطرفة، والحدود الصارمة والحدود الرِّخوة، وتطوُّر التطرُّف على مرور الزمن.

1. سوء الرغبة غير العقلانية ودافع التطرف
يبحثُ الفصل الأول في السلوك المتطرف الناتج عن «سوء الرغبة غير العقلانية»، ويُشير إلى أن هذا السلوكَ يحدث غالبًا عندما تُسهم الوسائل المساعدة في اتخاذ القرار بالقوة، مع أن الوسائل المساعدة المبنية على خبرات سابقة، تشير إلى نتائجَ سلبية لإنفاذ هذا العمل؛ مما يعني أن الدافعَ غير العقلاني إلى اتخاذ قرار السلوك المتطرف يتَّسم بالقوة، مع أن العقلانية المستندة إلى خبرات سابقة ترفضُ اتخاذ مثل هذا القرار لعدم جدوى نتائجه. ويُقدم الفصل أمثلةً لهذا السلوك، تُعطي تصوُّرًا مرجعيًا للدوافع غير العقلانية المؤدِّية إلى التطرف وأذى الآخرين؛ بل أذى الذات أيضًا، ومنها: إدمان المخدِّرات، فهو عملٌ متطرف، ضحيَّته المدمنُ نفسه، إضافة إلى مُعاناة أسرته، والأثر السيِّئ في عمله. فكثيرٌ ممَّن تعافَوا من الإدمان، وأدركوا آثاره السلبية، قد يعودون إليه مرةً أخرى، وربما مرَّات، تحت تأثير دوافعَ عصبية، مثل الاضطراب والاكتئاب، ولقاء أصدقاء الإدمان السابقين، وتذكُّر ما كانوا قد اعتادوه، وربما مزيج من هذه الدوافع. وما ينطبق على حالة مُدمني المخدِّرات، ينطبق أيضًا على حالات أخرى من السلوك المتطرف، التي قد تتَّسمُ بالعنف تجاه الآخرين، وتحدُث تحت تأثير دوافعَ نفسية بعيدة عن العقلانية.     

2. مواقف التطرف
يستندُ الفصل الثاني إلى دراسات تتعلَّق بمواقف الإنسان في مختلِف مجالات الحياة، مثل: الاستهلاك، والشراء، وقضايا الرأي، والتصويت في الانتخابات. ويستفيد هذا الفصلُ من هذه الدراسات في تقديم مفاهيمَ لمواقف التطرف، ومعرفة خصائصها، ومدى تأثير كلٍّ منها، مع طرح أمثلة وإيضاحات بشأنها. وترجع أهميةُ معرفة مواقف التطرف وخصائصها، إلى إمكانية تحوُّلها من رأي شخصي كامن، إلى سلوك مُؤذٍ لا تُحمَد عُقباه.

ويضع هذا الفصل أربعَ خصائص رئيسة للمواقف المتطرفة على النحو الآتي:
  • أولًا، الاستقطاب: ويعني أن يكونَ الشخصُ مُنحازًا إلى جانب محدَّد، في مواجهة جانب آخرَ أو على حساب جوانبَ أخرى. 
  • ثانيًا، مدى اليقين: ويعني مدى تمسُّك الشخص بموقفه؛ فقد يكون هذا اليقين راسخًا، وقد يكون هشًّا ضعيفًا. 
  • ثالثًا، الخروج عن المألوف: ويعني غرابةَ الموقف المـُتَّخذ، وابتعاده عن المألوف، وما اعتاده الشخصُ ذاته في مواقفه تجاه موضوعات أخرى.
  • رابعًا، رفض الموقف اجتماعيًّا: وتختلف هذه الخاصية عن سابقتها، في أن الخلافَ يكون مع المجتمع، وخارجًا عن المألوف.
 وهكذا فإنَّ خصائص الموقف المتطرف، طِبقًا لما أوضحَه الفصل، تتضمَّن الاستقطاب، واليقين المرتبط بالالتزام بهذا الاستقطاب، والخروج عن المألوف، ورفض قَبوله في المجتمع. وبعد مناقشة خصائص مواقف التطرف، وتقديم تصوُّرات لها وأمثلة عليها، يصل الفصل إلى نتيجة مُفادها: أن ما قدَّمه بشأن هذه الخصائص غيرُ محسوم. ولذلك يوصي بإجراء مزيدٍ من البحوث فيه.

3. السلوك المُتطرف ونتائجه
السلوك المتطرف بحسَب مفهوم الكتاب، هو ظاهرةٌ ترتبط بقضايا تتَّسم بالنُّدرة، وقوة الدوافع التي تؤدِّي إلى حدوثها. وهناك ثلاثةُ جوانبَ ترتبط بهذا السلوك، أولها: أن السلوك المتطرف قد يكون عنيفًا. وثانيها: أن هذا السلوك يُمكن أن يؤدِّي إلى نتائجَ سلبية أو إيجابية، تبعًا للموضوع المطروح. وثالثها: أن الدافع لهذا السلوك عادةً يكون قويًّا ومؤثِّرًا. 

ويُبرز الفصل الثالث، في إطار هذه الجوانب، ما توصَّلت إليه بحوثٌ سابقة، من أن سلوك التطرف يرتبط بتوجُّه عاطفي لصاحب العَلاقة نحو الموضوع المطروح. لكنَّه يُشير أيضًا إلى أن هذه البحوثَ لا تُؤكِّد أن التوجُّهات العاطفية تقود بالضرورة إلى سلوك متطرف، ولا بدَّ من البحث لاكتشاف أن أيًّا من هذه التوجُّهات يُمكن أن تقودَ إلى سلوك مُتطرف. 

ويهتمُّ هذا الفصل أيضًا بالجانب العاطفي في سلوك التطرف، والبنية المكوِّنة لهذا الجانب، ويعرض النموذجَ المزدوج للعاطفة لتحليل أثر العاطفة في سلوك التطرف، آخِذًا في الحُسبان العواملَ الذاتية للشخص، وعوامل تفاعله مع الآخرين. ويُعرِّف النموذج المزدوج العاطفة بأنها: الميلُ الشديد نحو موضوع محدَّد، أو نشاط، أو مفهوم، أو شخص، بدافع المحبة، أو التقدير، أو الاستثمار المتكرِّر، أو الانتماء. وفي إطار ازدواج العاطفة، يُميِّز النموذج بين العاطفة التي هي أكثر قدرةً على التكيُّف، وتتَّصف بالتوافق، والعاطفة التي هي أقلُّ قدرةً على التكيُّف، وتتَّصف بالهوس. ويذهب الكتاب إلى أنَّ سلوك التطرف أكثر ارتباطًا بعاطفة الهوس.

ويُميِّز الكتابُ بين الجانب العاطفي في سلوك التطرف على مستوى العَلاقة مع الآخرين، وبين هذا الجانب على مستوى عَلاقة الإنسان بذاته، ويرى أن عاطفة الهوس تقودُ إلى سلوك مُتطرف في مجالات كثيرة مع الآخرين، مثل: العنف الديني، والعنف السياسي، وعنف المنافسة، وعنف العَلاقات الرومانسية، والجنسية، والرياضية. أما في إطار العَلاقة الشخصية مع الذات، فإن عاطفة الهوس أيضًا تؤدِّي إلى سلوك مُتطرف، مثل: الإدمان، والإفلاس، والمشكلات الصحِّية، والجسدية، والنفسية.
*يمكن قراءة المزيد حول هذا الموضوع في العدد 34 من اصدار قراءة في كتاب​
25/04/2022 12:46