تسجيل الدخول
المشاركة المجتمعية في مكافحة الإرهاب
بعد هجَمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م، التي استهدفت بُرجَي مركز التجارة العالمي بنيويورك، ومبنى البنتاغون بالعاصمة الأمريكية واشنطن، وأوقعَت أكثر من ثلاثة آلاف قتيل، تنبَّه العالم أجمعُ لخطر الإرهاب، وأدركت كلُّ الدول أنها ليست بمنأًى عن هذا الخطر، وأنَّ ذراع الإرهاب طويلة يمكن أن تمتدَّ إليهم، مُحدثةً خرابًا ودمارًا كبيرين. لذا سارعت الولاياتُ المتحدة الأمريكية، ومعها كثيرٌ من الدول، إلى اتخاذ تدابيرَ استثنائيةٍ لمواجهة هذه التهديدات الخطِرة، فشُرِّعت القوانين، وأُنشِئت أجهزةٌ أمنية خاصَّة بالإرهاب، وشُنَّت حربٌ في كلٍّ من العراق وأفغانستان. 

وخلَّفت هذه التطوُّرات آثارًا سلبية على المسلمين، لعلَّ أهمَّها النظرُ إليهم بعين الرِّيبة والشكِّ والاتهام، وعزلهم أو اضطهادهم من قِبَل المجتمعات الغربية. ويأتي هذا الكتابُ (المشاركة المجتمعية في مكافحة الإرهاب: المخاطر والفرص) بحثًا شاملًا، وهو من تأليف: جيسون هارتلي، المحاضرُ في علم الجريمة في جامعة جريفيث في أستراليا، يهدف فيه إلى إعادة بناء الثقة مع المجتمعات المسلمة، وإشراكها في مكافحة الإرهاب. وقد تولَّت دار «روتليدج» نشرَ الكتاب، وهي دارُ نشر عالمية، مهتمَّة بالكتب الأكاديمية المتخصِّصة، والمجلَّات العلمية، ومقرُّها في المملكة المتحدة.

رؤية مجمَلة
يسلِّط هذا الكتابُ الضوء على المشاركة المجتمعية في جهود مكافحة الإرهاب، بالتطبيق على الجاليات الإسلامية المقيمة في ولاية كوينزلاند الواقعة شمالَ شرقي أستراليا، ويبحث أسبابَ 
بناء الثقة بين المسلمين وأجهزة الشرطة؛ بما يؤدِّي إلى زيادة التعاون بينهما في هذا المجال، وأسبابَ زعزعة هذه الثقة التي تقف حاجزًا أمام المشاركة الإيجابية، ولا سيَّما مشاركة المسلمين. وعلى كثرة الدراسات التي تناولت سياساتِ مكافحة الإرهاب وأثرَها في زعزعة الثقة، قد أغفلت الدراساتُ طريقة بنائها؛ للمساعدة على دمج المجتمعات الإسلامية بالمجتمع الأكبر العالمي، في مواجهة هذا الخطر المدمِّر، وهو مما يتميَّز به هذا الكتاب.

وقد عمل مؤلِّف الكتاب منسقًا حكوميًّا للتواصل بين المسلمين وشرطة كوينزلاند، وكُلِّف جمعَ معلومات استخبارية عن المجتمعات المسلمة، مكَّنته من فهم العَلاقات المضطربة بين الجانبين، وكي يتجنَّبَ التحيُّزات الداخلية، والانطباعات السَّلبية عن المسلمين، أمضى مدَّة في مدينة الخليل بفِلسطين؛ بغيةَ الاندماج مع المجتمع المسلم، واكتساب الوعي الثقافي؛ لإجراء البحث بحياد وموضوعية، ووَفقَ أسُسٍ علمية خالصة. 

يتناول الكتابُ كثيرًا من الموضوعات المتعلِّقة بمشاركة المجتمعات المسلمة في مكافحة الإرهاب. وقد أجرى المؤلِّفُ مقابلات مع مسلمينَ في كوينزلاند، وأفرادٍ من قوَّات الشرطة؛ لتكوين تصوُّرات واضحة عن سياسات مكافحة الإرهاب، وبناء الثقة، والتواصُل المجتمعي والمشاركة. ويستعرض الكتابُ وجهاتِ نظر المسلمين بشأن العَلاقات مع شرطة مكافحة الإرهاب، والآثارَ المترتِّبة عليها، وإرشاداتٍ لبناء الثقة بين الجانبين، فضلًا عن تحليل ثقافي لطبيعة العَلاقة بينهما. 

يتكوَّن الكتابُ من ستة فصول، الفصل الأول يُمهِّد للموضوع، ويستعرض أهميته، والغاية منه، ومنهج إجراء البحث. ويتناول الفصل الثاني تأثير الحَيرة لدى المجتمع المسلم في المشاركة الإيجابية في مكافحة الإرهاب. ويوضح الفصل الثالث الرؤية الثقافية للثقة. فيما يؤكِّد الفصل الرابع دورَ القيادة الإسلامية في مساندة قوَّات الشرطة.

أمَّا الفصلُ الخامس فيُناقش النتائج التي توصَّلت إليها الدراسة. ويتناول الفصل السادس الخاتمةَ وأهمَّ التوصيات التي أوصى بها المؤلِّف.

تمهيدٌ وتوطئة
يبدأ الفصل الأول ببيان الغاية من الكتاب، وهي تحديدُ مدى قُدرة وكالات الشرطة على إشراك المجتمعات المسلمة في مكافحة الإرهاب، وأهمية هذه القضية؛ فهذه الوكالاتُ لم تعُد تقتصر في تعاملها مع المجتمعات المسلمة على الحذر من انخراط المسلمين في جرائم الإرهاب، أو على تتبُّع عنف الجماعات الإسلامية المتطرفة فقط، في ظل الجهود المتعاظمة لمكافحة اليمين المتطرف. إذ دفع الخوفُ من زيادة الإرهاب اليميني المتطرف، والعنف بدافع التحيُّز (جرائم الكراهية)، إلى تجديد الاهتمام ببناء الثقة مع المجتمعات المسلمة، التي قد تكون هدفًا للكراهية والعنف اليميني المتطرف، كما في حادثتَي إطلاق النار على مسجدَين في كرايستشيرش بنيوزلندا عام 2019م.

يدافعُ هارتلي عن النهج العاطفي الذي تسعى الشرطةُ في استخدامه لتحسين العَلاقات مع المسلمين، وإيجاد فَهمٍ أفضل لأفكارهم، ومعرفة وجهات نظرهم، واهتماماتهم، والأطُر الثقافية والمرجعية الخاصَّة بهم. وقبل الخوض في هذا النهج، يُبرز الكاتب التغييرات التي طرأت على المسلمين بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، والإستراتيجيات العنيفة التي اتخذتها الدولُ تجاه المسلمين بحُجَّة مكافحة الإرهاب في أستراليا، وفي أغلب الدول الغربية، التي سبَّبت موجةَ عَداء شديد للمسلمين، امتدَّت على مدار سنوات طويلة، وما زال أثرها مستمرًّا حتى الآن، فضلًا عن الصورة النمطية السلبية عنهم، التي سعَت وسائلُ الإعلام الأسترالية والغربية في تثبيتها على مدى هذه السنوات. 

وتتجلَّى أهميةُ تلك الأحداث، في أنها تشرحُ العوامل المجتمعية التي أثَّرت سلبًا في المجتمعات المسلمة، وقوَّضت العَلاقات القائمة على الثقة بين المجتمعات المسلمة، والمسؤولين عن إنفاذ القانون في أستراليا، وغيرها من البلدان. وأدَّت هذه الممارساتُ غير العادلة بل الظالمة إلى شعور المسلمين بالاضطهاد والعُزلة، وأضافت مشكلةً أخرى تتعلَّق بالحُكم على مجتمعات بأكملها، بسبب جرائم أفراد قلَّة، وجماعات صغيرة، بل الحكم على الإسلام نفسه، وكلِّ من يدينون به وينتمون إليه، وعددُهم يتجاوز مليارًا ونصفَ مليار شخص في العالم، بهذه التُّهَم الشنيعة. 

إن أحكام الدِّين الإسلامي الصحيحة تدعو دومًا إلى التسامح والعيش السِّلمي مع البشر كافَّة، أفرادًا وجماعات، وتتوعَّد من يقومون بتلك الجرائم بالهلاك في الدنيا والآخرة. وقد وجَّه القائمون على مكافحة الإرهاب رسائلَ متضاربةً إلى المجتمعات المسلمة؛ فمن ناحية أكَّدوا مرارًا الحاجةَ إلى المسلمين في جمع معلومات استخبارية عن أشخاص متطرفين يُخطِّطون لهجَمات إرهابية، وأهميةَ تعاونهم في التصدِّي للدعاية الإرهابية، ووسائلها في تجنيد العناصر الجديدة. وفي حالات أخرى تعاملوا مع المسلمين بأسلوب أمني عنيف، ووصل هذا الأسلوبُ إلى حدِّ إصدار تشريعات وقوانين، وتبنِّي سياسات وممارسات قاسية تجاههم. واستعرض هارتلي، بصفته مصدرًا للمعلومات الخاصَّة بهذه التفاعلات، الأسبابَ التي أدَّت إلى تدهور العَلاقات بين الشرطة والمسلمين، بحكم عمله السابق في جمع المعلومات الاستخبارية عن المسلمين الأستراليين.
*يمكن قراءة المزيد حول هذا الموضوع في العدد 35 من اصدار قراءة في كتاب
25/04/2022 12:55