تسجيل الدخول
26/06/2022
صراعات، وعنف، وهشاشة، وإرهاب.. تلك عناصرُ قاتلة، ينجذب بعضُها إلى بعضٍ كأنها تفاعل كيميائي؛ فحيث توجد الصراعاتُ ويزداد العنف، تقع الهشاشةُ بضعف قدُرات الدولة، وينشَطُ الإرهاب. وحيث يوجد الإرهابُ تزداد الصراعاتُ والعنفُ، وتزداد هشاشةُ الدولة. 

وقد أكَّد مؤشِّر الإرهاب العالمي (GTI) لعام 2022م أن الصراع لا يزال المحرِّكَ الرئيسَ للإرهاب، فقد كانت جميعُ البلدان العشر الأكثر تضرُّرًا من الإرهاب في عام 2021م منخرطةً في صراع مسلَّح واحد على الأقل. ومنذ عام 2007م وقع ما نسبتُه %92 من الوَفَيات الناجمة عن الإرهاب في مناطق الصراعات، وارتفعت النسبةُ في السنوات الثلاث الماضية إلى %95.8، ثم ارتفعت إلى %97.6 في العام الأخير 2021م. يعالج هذا التقريرُ الذي أصدره البنك الدَّولي بعنوان: (إستراتيجية مجموعة البنك الدَّولي للتعامل مع أوضاع الصراع والعنف والهشاشة، من 2020- 2025م /World Bank Group Strategy for Fragility, Conflict, and Violence 2020–2025) هذه القضيةَ المهمَّة بإسهاب؛ ولأهمية هذا التقرير نتناول أهم ما جاء فيه.

نهج شمولي
العَلاقةُ بين الصراع والإرهاب وثيقةٌ قوية؛ لأنه مع زيادة حدَّة الصراع يصبح العنفُ أكبر انتشارًا واتساعًا حتى تجاه الشُّرطة والجيش، كما ينتشر أكثر تجاه المدنيين. ويُستخدَم الإرهاب على أنه أسلوبٌ من أساليب تحقيق أهداف قريبة أو بعيدة المدى، كما يحدُث في العراق وأفغانستان وسوريا. والارتباطُ الوثيق بين الصراع الداخلي والإرهاب يحدُث في البلدان ذات الاقتصادات المتقدِّمة وذات الاقتصادات النامية على السَّواء، ومع أنَّ هذا الصراعَ له خصائصُ ومستوياتٌ مختلفة في الشدَّة في كلتا المجموعتين من البلدان، فإن التأثير العام للصراع الداخلي في الإرهاب مماثلٌ في كليهما.

وبالقدر نفسه يرتبط الإرهابُ بالهشاشة؛ فإن ثلاثًا من الدول العشر الأكثر هشاشةً في مؤشِّر الهشاشة العالمي (FSI) لعام 2021م وهي (أفغانستان، الصومال، سوريا) تقع ضمنَ الدول العشر الأكثر تأثُّرًا بالإرهاب في مؤشِّر الإرهاب العالمي (GTI) لعام 2022م. وفي ظلِّ هذا الواقع تكاد تُجمِع الدراسات على أهمية محاربة الإرهاب وَفقَ نهج شمولي يعالج الظروفَ والأسباب التي أنتجته، أو ساعدت في تجذُّره ونموِّه، وعلى رأسها الصراعاتُ؛ سواءٌ أكانت داخليةً أم خارجية، والهشاشةُ التي تزداد انتشارًا في مناطقَ مختلفةٍ من العالم.

وقد كشف تقريرُ (إستراتيجية مجموعة البنك الدَّولي للتعامل مع أوضاع الصراع والعنف والهشاشة، من 2020 - 2025م) أن قرابةَ نصف سكَّان العالم يعيشون اليوم فقراءَ في أوضاعٍ هشَّة متأثِّرة بالصراعات، وبحلول عام 2030م قد يعيشُ أكثر من نصف سكَّان العالم في مثل هذه الظروف الهشَّة. وقد ساءت حالةُ الهشاشة العالمية جدًّا، وازدادت الصراعاتُ في مختلِف أرجاء العالم عنفًا، على نحوٍ لم يشهده في الأعوام الثلاثين الماضية، ويواجه العالم أيضًا أكبرَ أزمة نزوح قَسْري على الإطلاق. 

ويُظهر التحليل التاريخيُّ أن البلدان المصابة بالهشاشة الشديدة، لديها معدَّلاتُ فقر تشمل أكثرَ من %40 من السكَّان، في حين البلدانُ التي نجَت من الهشاشة قلَّت معدَّلاتُ الفقر فيها بأكثرَ من النصف. أمَّا البلدانُ التي دخلت قائمةَ الأوضاع الهشَّة والمتأثِّرة بالصراع فشهدت زيادةً كبيرة في معدَّلات الفقر، وأمَّا البلدانُ التي لم تكن مُدرجةً في القائمة فشهدت انخفاضًا ثابتًا في معدَّلات الفقر.

سياقات معقَّدة
البلدانُ التي وُصفت بالهشاشة هي التي تُعاني مشاكلَ حوكمةٍ عميقة، وضعفًا مؤسسيًّا في الدولة، وانتشارًا للمظالم والإقصاء، وضعفَ توفير الخِدْمات الأساسية للسكَّان، وضعفَ قدرة الدولة على تخفيف المخاطر، أو عدمَ رغبتها في ذلك. وينتشر الصراعُ عندما تتخذ الجماعاتُ العنفَ وسيلةً لتسوية المظالم أو فرض السُّلطة، بعيدًا عن مِظلَّة القانون. 

إنَّ (الصراع والعنف والهشاشة) وسياقاتها المتعدِّدة المختلفة، هي سياقاتٌ معقَّدة ودقيقة، وتتطلَّب مناهجَ مُعَدَّة لتُناسبَ الجغرافيا والتاريخ ومحرِّكات الصراع المميِّزة لكلِّ بيئة، وغالبًا ما تكون نتيجةً للاضطرابات التي تطوَّرت على مدار عقود وسنوات. وهذا لا ينفي أن أسبابها تكون في بعض الأحيان فورية؛ كالغزو الخارجي، أو الكوارث الطبيعية، وهذه العناصرُ الثلاثة (الصراع والعنف والهشاشة) يرتبط بعضُها ببعض ارتباطًا متينًا؛ فقد ازداد الصراعُ العنيف ازديادًا ملحوظًا في العِقد الماضي؛ فمنذ عام 2010م تضاعفت حالاتُ الصراع العنيف ثلاث مرَّات عالميًّا. وجزءٌ كبير من الزيادة نجمَ عن الصراع داخل الدول وانتشار الجماعات المسلَّحة. وعلى الرغم من انخفاض عدد الوَفَيات الناجمة عن الصراع العنيف انخفاضًا طفيفًا حديثًا، ازداد أثرُ الصراع العنيف انتشارًا جغرافيًّا بما نسبتُه %11 في عدد المواقع المتأثِّرة به في جميع أنحاء العالم. 

وتتَّسمُ الهشاشة بأنها عميقة الجذور ومُزمنة، وعلى مدار السنوات العشر الماضية، أظهرت 30 دولةً معظمُها منخفضة الدخل، هشاشةً مُزمنة؛ فعندما تكون المؤسساتُ والحكومات عاجزةً عن إدارة الضغوط، أو التخفيف من أثر صدَمات تغيُّر المناخ والكوارث الطبيعية والأزَمات الاقتصادية والاجتماعية، تزدادُ الأخطار التي يتعرَّض لها استقرارُ الدول والمجتمعات. وفي مسار الهشاشة تميل البلدانُ إلى اتِّباع طريق يعتمد على تاريخها، أو موقعها الجغرافي، أو هياكلها الاجتماعية والاقتصادية، أو سُلطتها ونفوذها، وهي عناصرُ يصعُب تغييرها جميعًا، ولذلك تصبح معالجةُ الهشاشة أمرًا دقيقًا يحدُث على مدى عقود.

وقد لا يكون جديدًا ما يقتتل الناسُ لأجله، لكنَّ صراعاتِ اليوم تحدُث في مشهدٍ أكثر تعقيدًا، فهي تمتدُّ إلى مستويات جديدة داخل الدولة، وهذا يخالفُ الظنَّ بأن الصراعاتِ مشكلةٌ محصورة في البلدان الفقيرة أو المنخفضة الدخل، وأن المجتمعاتِ المستقرَّةَ محصَّنة منها. فإن الواقع يؤكِّد أن عددًا من البلدان ذات الدخل المتوسط التي تتمتَّع بقدُرات مؤسسية مقبولة، وانتخابات منتظمة، وقوَّات أمنية قادرة، تحدُث فيها صراعاتٌ داخلية لا ترتبط بالفقر؛ بل بالافتقار إلى الدمج السياسي والاقتصادي، وإلى العدالة الاجتماعية، والإنصاف من المظالم الحقيقية أو المتخيَّلة. وقد استغلَّت الجماعاتُ المتطرفة العنيفة العابرةُ للحدود الوطنية هذه الصراعاتِ الداخليةَ؛ لتتغلغلَ في عُمق الهشاشة، وتهدِّدَ مناطقَ شاسعة.

إضافةً إلى الصراع العنيف، أصبح العنفُ بين الأفراد، ونشاطاتُ عصابات الجريمة المنظَّمة، والعنفُ القائم على النوع الاجتماعي، تهديدًا كبيرًا للتنمية، ومصدرًا صريحًا للهشاشة. ففي كلِّ عام يموت قرابةُ نصف مليون شخص من جرَّاء هذا النوع من العنف، وفي بعض المناطق تكون معدَّلاتُ القتل الناجمةُ عنه أعلى من معدَّلات القتل في مناطق الصراع.

وقد نتجَ عن مستويات الصراع والعنف هذه أكبرُ أزمة نزوح شهدها العالم؛ فهناك زُهاء 71 مليون نازح قَسْريًا في العالم، منهم نحو 41 مليونَ نازح داخليًّا، وأصبح النزوح الإجباري معقَّدًا وطويلَ الأمد، فضلًا عن آثاره الاجتماعية والاقتصادية الكبيرة في كلٍّ من اللاجئين والمجتمعات المضيفة. ويبلغ النساءُ والأطفال ما نسبتُه %75 من النازحين، وينتشر قرابة %85 من النازحين قسرًا في البلدان المنخفضة الدخل والمتوسِّطة الدخل، ويعيش %72 منهم في مناطقَ متأخِّرة داخل هذه البلدان.

ومن التحدِّيات الأساسية في معالجة حالات النزوح الداخلي وَفقَ نهج تقودُه الحكومة، هو أن البلد نفسَه هو السببُ وهو المضيف للسكَّان النازحين. وممَّا يزيد التحدِّيَ أن النزوح الداخليَّ الناجمَ عن النزاع والعنف في معظم الحالات يحدُث بدوافعَ داخلية، ومن ثَم لا يمكن معالجتُه بمعزِل عن أسبابه، مثل: فِقدان الأمن الغذائي الشديد، أو المجاعات التي تقع في معظم الحالات نتيجةً لأحداث سياسية، فقد وقعت كلُّ مجاعة منذ الثمانينيَّات في البلدان المتأثِّرة بالصراع والهشاشة والعنف.

وبالنظر إلى المستقبل، فإن مجموعةَ البنك الدَّولي تتطلَّع إلى تحقيق ثلاثة أهداف من دعم مجتمعات النازحين قَسْرًا، وهي:
  • توفيرُ فرص التنمية الاجتماعية والاقتصادية للنازحين، وللمجتمعات المضيفة لهم، والتخفيفُ من الصدَمات التي يسبِّبها تدفقُ اللاجئين والنازحين داخليًّا. 
  • تيسيرُ الحلول المستدامة لحالات النزوح التي طال أمدُها، باتِّباع نهج الدَّمج الاجتماعي والاقتصادي المستدام للَّاجئين في البلدان المضيفة، أو إعادتهم إلى بلدانهم الأصلية. 
  • تعزيزُ استعداد البلدان لمواجهة أزَمات النزوح القَسْري.
​عواملُ عالمية
أصبحت تحدِّياتُ «الصراع والعنف والهشاشة» تحدِّياتٍ دَوليةً في ازدياد؛ فهي تعبُر الحدودَ وتُنتج ظروفًا إقليميةً وعالمية غالبًا ما تتحوَّل إلى أزَمات متعدِّدة الجوانب، في عالم تتدفَّقُ فيه الاتصالاتُ والأفكار والتمويل والجريمة. وتطوَّرت كثيرٌ من النزاعات، فغدَت مشكلاتٍ معقَّدةً ذات روابط دَولية، وإقليمية، ووطنية، ومجتمعية. وهذا يفسِّر جزئيًّا سببَ صعوبة معالجة هذه التحدِّيات في إطار محلِّي فقط. 

ومن أبرز العوامل العالمية التي تؤثِّر في «الصراع والعنف والهشاشة»، وتتأثَّر بها على حدٍّ سواء، ما يأتي:  
  1. تغيُّرُ المناخ، إذ إنه من المتوقع بحلول عام 2030م أن تدفعَ التأثيراتُ المناخية مئةَ مليون شخص إضافي إلى هُوَّة الفقر، وبحلول عام 2050م يمكن أن يصبحَ قرابة 143 مليون شخص مهاجرين بسبب المناخ، ولا يخفى ما ينجُم عن ذلك من زعزعةٍ للاستقرار في ثلاث مناطقَ رئيسة هي: إفريقيا جنوب الصحراء، وجنوبي آسيا، وأمريكا اللاتينية.
  2. التحدِّياتُ السكَّانية، كارتفاع معدَّلات الخصوبة، وإعالة الشباب. ويمكن أن تؤدِّيَ هذه التحدِّياتُ إلى ارتفاع معدَّلات الفقر، وانخفاض مستوى رعاية الأطفال، وارتفاع معدَّلات البطالة، وزيادة خطر الاضطراب وعدم الاستقرار.
  3. ضعفُ العدالة، ولا سيَّما العدالةِ بين الجنسين؛ فإن ضعفها يُسهم في تفاقم الأوضاع الهشَّة؛ لأن نسبة الأُسَر التي تعولها نساءٌ تزداد كثيرًا مع الصراع والعنف.
  4. التحوُّل الرَّقْمي، فكما له أثرٌ إيجابيٌّ في تعزيز السلام، فإنه يمكن أن يكون له أثرٌ سلبيٌّ في توسيع الفجَوات الاقتصادية المـُفضية إلى الإقصاء، فضلًا عن إنشاء مِنطَقة مجهولة للشَّبكات الإجرامية أو الجماعات المتطرفة.
  5. الاتِّجار غير المشروع، وقد استفادت الشبكاتُ الإجرامية والجماعاتُ المتطرفة، من سهولة التنقُّل والترابط الذي وفَّرَه التحوُّل الرَّقْمي في الاتِّجار الممنوع والمحرَّم.
إطار الإستراتيجية 
إن الهدف من إستراتيجية مجموعة البنك الدَّولي للتعامل مع أوضاع الصراع والعنف والهشاشة- (FCV) كما يوضِحُها التقرير- هو دعمُ البلدان لمعالجة دوافع هذه المشكلات وآثارها، وتعزيز مرونتها، ولا سيَّما السكَّان الأكثر ضعفًا وتهميشًا. وتحدِّد الإستراتيجية إطارًا جديدًا لفهم «الصراع والعنف والهشاشة»، وتضع مجموعةً قوية من التدابير لزيادة قدُرات هذا الدعم لكلٍّ من البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، التي تتعامل مع تحدِّيات متنوِّعة لهذه العناصر الثلاثة، ومن ذلك مستويات عالية من العنف، وصدَمات النزوح القَسْري، والصراع.

وقد بُنيت إستراتيجية معالجة «الصراع والعنف والهشاشة» على مجموعةٍ من المدخَلات -منها المراجعاتُ المتتالية لمجموعة التقويم المستقلَّة (LEG)، والمشاوراتُ العالمية التي أُجريت في عام 2019م، والدروسُ المستفادة من التجارِب العملية- لمعالجة الأسباب الجذرية للهشاشة، والأخطار الطويلة الأجل التي يمكن أن تؤدِّيَ إلى الصراع والعنف، أو إلى تفاقمهما.

ومن الفرضيات الأساسية للإستراتيجية: أنه نظرًا إلى تنوُّع تحدِّيات «الصراع والعنف والهشاشة»، لا يمكن أن يكونَ هناك نهجٌ واحد يناسب الجميع، ولذلك يجب أن يتكيَّفَ كلُّ نهج مع الظروف المميِّزة لأوضاع الصراع والعنف والهشاشة في كلِّ بلد، ومع أطُر الشراكة القُطْرية والبرامج المـُعدَّة لمعالجة الأسباب الجذرية للهشاشة فيه، ممَّا يفرض العملَ الميداني على الأرض في أكثر البيئات تحدِّيًا، واستمرار الجهات الناشطة في مجال التنمية منخرطةً على المدى الطويل، لمعالجة حالات الصراع والأزمات.

وقد أفرزت الخبراتُ التشغيلية أربعةَ أسُس يمكن إضافتها إلى إستراتيجية التصدِّي لتحدِّيات «الصراع والعنف والهشاشة»، وهي:
  • منعُ الصراع والعنف بين الأشخاص بمعالجة دوافع الهشاشة والأخطار الفورية وطويلة الأجل، مثل: تغيُّر المناخ، وأنماط التمييز، والاستبعاد الاقتصادي والاجتماعي، والمظالم، قبل أن تتحوَّلَ الاضطرابات إلى صراعات حادَّة.
  • الحفاظُ في أثناء النزاعات والأزَمات على مكاسب التنمية التي تحقَّقَت، وحماية المؤسسات الأساسية، وبناء المرونة، والاستعداد للتعافي في المستقبل.
  • مساعدةُ البلدان على الخروج من حالة الهشاشة؛ بتعزيز الوسائل التي يمكن أن تجدِّدَ العقد الاجتماعي بين المواطنين والدولة، وتعزيز القِطاع الخاص المحلِّي السليم، ودعم شرعية المؤسسات وقدُراتها.
  • تخفيفُ آثار «الصراع والعنف والهشاشة» بدعم البلدان والمجتمعات الأكثر ضعفًا وتهميشًا، التي تتأثَّر بالأزَمات العابرة للحدود، مثل: النزوح، والصدَمات الناتجة عن المجاعات والأوبئة، والتغيُّرات المناخية والبيئية. 
وتُعنى مجموعة البنك الدَّولي بستِّ قضايا ذاتِ أولوية عالية في معالجة أوضاع «الصراع والعنف والهشاشة»، هي: الاستثمارُ في رأس المال البشري، ودعمُ استقرار الاقتصاد الكلِّي والقدرة على تحمُّل الديون، وتوفيرُ الوظائف والفرص الاقتصادية، ودعمُ العدالة وسيادة القانون، وتطويرُ قِطاع الأمن، وبناءُ قدُرات المجتمعات المحلِّية على الصمود، ولا سيَّما في ظروف تغيُّر المناخ والتدهور البيئي. وتُدرك الإستراتيجية أهميةَ متابعة حلول القِطاعين العام والخاص للمساعدة على توفير فرص العمل، وتقديم الخِدْمات، وتعزيز التماسُك الاجتماعي، وتعزيز النموِّ الاقتصادي الشامل، وتطوير بيئة النمو، ودعم الجهات الفاعلة المحلِّية في القِطاع الخاص، والمساعدة على تحفيز الاستثمارات والقضاء على أخطار الهشاشة والصراع. وتُدرك الإستراتيجية أيضًا أن العمل في بيئات الصراع والعنف والهشاشة ينطوي على أخطار عالية، مثل: أخطار الأمن المادِّي للموظفين، والعنف تجاه الفئات الضعيفة، وضعف القدُرات المؤسسية أو غيابها، والأخطار البيئية والاجتماعية، وغياب الحوكمة، والاحتيال والفساد.

وفي ظلِّ هذه الأخطار يكون التعاملُ مع المنظمات الإنسانية الدَّولية والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني والجهات الفاعلة المحلِّية أمرًا مهمًّا جدًّا؛ لما لها من حضور كبير على الأرض في المناطق التي يصعُب الوصول إليها، فضلًا عن خبراتها العملية ومعارفها الفنية في بيئات الصراع والعنف والهشاشة.

التدخُّلات الإقليمية
إن %80 من البلدان التي كانت مُدرجةً في قائمة البلدان ذات الأوضاع الهشَّة والمتأثِّرة بالصراع في عام 2012م لا تزالُ على حالها حتى اليوم، وغالبًا ما تميل هذه البلدانُ إلى التورُّط في العنف وتُنذر جيرانها بأخطارٍ كبيرة. فهي تُؤوي الجماعاتِ المتطرفةَ، وعصابات الاتِّجار بالبشر، وتُسهم في الهجرة القَسْرية إلى البلدان المجاورة؛ ولذلك تُعنى مجموعة البنك الدَّولي بالآثار السلبية للصراع والعنف والهشاشة لدى عموم المواطنين، ولا سيَّما الأكثر ضعفًا وتهميشًا الذين يعيشون في هذه الظروف، سواءٌ كانوا مقيمين في مناطقَ نائية، ويفتقرون إلى الخِدْمات الأساسية، أو أولئك الذين يعيشون في خوفٍ دائم؛ لما تشهده مناطقُهم من مستوياتٍ عالية من العنف.

وقد لا يحتاج دعمُ البلدان التي تتعافى من الصراع العنيف إلى اتفاقية سلام رسمية لإعادة الإعمار؛ فالبلدانُ التي لديها مؤسساتٌ عاملة، ومستويات عالية من رأس المال البشري، يجب أن تسلكَ إعادةُ الإعمار فيها مسارًا مختلفًا عن تلك التي لا تزال في حالة من الضعف والهشاشة، فهي تحتاج إلى أن تمنحَ أولويةً لإعادة بناء التماسُك الاجتماعي، ومعالجة الدوافع الطويلة الأجل للعنف.

هذه البلدانُ بلغت مستوياتٍ عاليةً من العنف، مع قدرة حكومية منخفضة، وضعف في الاتفاق بين النُّخَب أو غيابه، واحتمال السيطرة على الدولة من قِبَل أصحاب مصالحَ منفصلةٍ عن احتياجات السكَّان وحقوقهم، فتتلاشى ثقةُ الناس في الدولة بسرعة، وكذلك الثقةُ فيما بين فئات المجتمع المختلفة، ويزداد العنفُ صعودًا وبروزًا.

ولا تقتصر الهشاشةُ على دوافع الصراع، ولكنَّها تشمل أخطارًا متعدِّدة ومتشابكة، تُضعف الأنظمة وتهدِّد الأرواح؛ منها تغيُّر المناخ، والكوارث البيئية، وتدهور الموارد الطبيعية، فكلُّ ذلك يؤدِّي إلى الضغط على الأنظمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وعندما تكون المؤسساتُ والحكومات عاجزةً عن إدارة هذه الضغوطات أو امتصاص صدَماتها، تزداد الأخطارُ على استقرار الدول والمجتمعات، وتدفع إلى نزوحٍ قَسْري أشدَّ مما تسبِّبه الصراعات.

ومن المهمِّ جدًّا أن تقترنَ التدخُّلات في معالجة «الصراع والعنف والهشاشة» بحماية رأس المال البشري وتعزيزه، وتلك مهمَّةٌ ليست سهلة، فتقديمُ الخِدْمات الاجتماعية أكثرُ تعقيدًا في البيئات الهشَّة التي تفتقر إلى الموارد، حيث تكون المؤسساتُ محدودةَ القدرات، ويَعُوقُ الصراعُ والعنف تنفيذَ المشاريع. ويُظهر مؤشِّر رأس المال البشري أن البلدان التي تئنُّ من وطأة الهشاشة، تتخلَّف تخلُّفًا كبيرًا عن البلدان الأُخرى في كلِّ مقياسٍ لرأس المال البشري، ولذلك يمكن القولُ: إن حماية رأس المال البشري وتطويرَه هو أحدُ أهمِّ أسباب القدرة على الصُّمود في هذه البلدان. وهذا يعني أن معالجةَ «الصراع والعنف والهشاشة» ينبغي أن تسيرَ جنبًا إلى جنبٍ مع أعمال التنمية البشرية؛ إذ يرتبط كثيرٌ من عوامل العنف والهشاشة ارتباطًا وثيقًا بالتنمية البشرية، ممَّا يجعل التعليم والصحَّة والحماية الاجتماعية منافذَ عبور رئيسةً لمعالجة آثار العنف. وفي هذا الصَّدَد يجب أن تتكيَّفَ برامجُ معالجة «الصراع والعنف والهشاشة» مع احتياجات الفئات المعرَّضة للخطر التي تعاني معاناةً أشدَّ وأكبرَ، وهم:
  • الأطفالُ الذين يحتاجون إلى تحسين التغذية والتعليم والرعاية الصحِّية الأساسية.
  • النساءُ المعرَّضات لخطر العنف القائم على النوع الاجتماعي، ويحتَجنَ إلى العدالة في الحصول على التعليم والعمل، والتمثيل في صُنع القرار على مستوى الأسرة والمجتمع المحلِّي والوطني.
  • الشبابُ الذين يحتاجون إلى فرص العمل والمهارات والمشاركة في بناء المجتمع، ولا سيَّما أولئك الذين يتطلَّعون إلى إسهام جادٍّ في مجتمعاتهم.
تفعيل الإستراتيجية 
وضعت مجموعةُ البنك الدَّولي ثلاثة وعشرين تدبيرًا في إستراتيجية معالجة «الصراع والعنف والهشاشة» لتعزيز جَدواها. وهذه التدابيرُ مقسَّمةٌ على أربعة أقسام رئيسة هي: السياسات، والبرامج، والموظَّفون، والشراكات.

أمَّا السياساتُ: فتضع إطارًا للمشاركة في الأزَمات الإنسانية وحالات النزوح القَسْري، وتوجيهاتٍ للتعامل الأمثل مع الجهات الناشطة الأمنية والعسكرية، للتحقُّق أن السياساتِ والعمليات والممارسات مناسبةٌ للغرض، وسهلة التنفيذ، ومرنةٌ في المواجهة.

وأمَّا البرامجُ: فتعالج دوافعَ الصراع والعنف والهشاشة، بأساليبَ تتكيَّف مع الظروف المعقَّدة والمتغيِّرة للبيئات الرَّازحة تحت قسوتها. 

وأمَّا الموظَّفون: فيحرِصُ البنك على زيادة الموظفين الميدانيين في تلك البيئات المعقَّدة، وزيادة الاستثمار في المعارف والمهارات والخبرات اللازمة لهم، مع تشجيعهم بتقديم الحوافز المناسبة لهم باستمرار.

وأمَّا الشراكاتُ: فينشَطُ البنك في تعزيزها مع الجهات الناشطة والمؤثِّرة في المجالات الإنسانية والإنمائية والأمنية والقِطاع الخاص؛ لتحقيق نتائجَ أكبر على الأرض في أكثر الأوضاع صعوبة، استنادًا إلى مبدأ التكامُل وتوظيف المزايا النسبية. 

ومع ازدياد العمل الميداني الجادِّ وتطوير المهارات واكتساب الخبرات لدى الموظفين العاملين في معالجة آثار «الصراع والعنف والهشاشة» يُتوقَّع أن تحقِّق الإستراتيجيةُ مزيدًا من النجاح في مساعدة الحكومات والقِطاع الخاصِّ على بناء القدُرات وتخطيط المشاريع وتنفيذها.

دروس مستفادة 
رصدَ التقريرُ الدروس المستفادة من تجارِب معالجة «الصراع والعنف والهشاشة» في مناطقَ شتَّى من أرجاء العالم، ومن أهمِّ هذه الدروس:

أولًا: نحو نهج استباقي
تطوَّر عملُ البنك الدَّولي من الاهتمام بإعادة الإعمار بعد الصراع، إلى مواجهة التحدِّيات؛ بمعالجة الهشاشة معالجةً شاملة، ناتجةً عن التحوُّل الكبير في تصوُّر البنك الدَّولي للهشاشة. وقد أفضى ذلك إلى قناعة مُفادها أن التحدِّياتِ المتعلِّقةَ بالهشاشة لا يمكن حلُّها بحلول قصيرة الأجل وجزئية، أو في غياب المؤسسات التي توفِّر للناس الأمنَ والعدالة والوظائف. فمن الضروريِّ أن تكونَ الإستراتيجيات المتَّبعة في ذلك مرنةً وقادرة على الصُّمود في أوقات الأزَمات، وأن تستندَ إلى واقع البلد الذي تُطبَّق فيه وظروفه، وأن تراعيَ جميع الأوضاع القانونية والمالية، والثقافية والتاريخية. ويتطلَّب ذلك بلا ريب تغييرَ الطريقة التي كانت متَّبعةً في معالجة «الصراع والعنف والهشاشة».

وأكَّدت تقاريرُ التنمية العالمية الصِّلةَ الوثيقة بين الأمن والعدالة والتنمية. ودعا التقريرُ المشترك بين الأمم المتحدة ومجموعة البنك الدَّولي لعام 2018م (مسارات من أجل السلام) إلى الاهتمام بالوقاية؛ بجعل الأولوية للنُّهُج الشاملة للتنمية التي يمكن أن تساعدَ في منع الأخطار والتخفيف من حدَّتها، قبل أن تستحكِمَ وترسَخ.

ثانيًا: حدود التدخُّلات الإنمائية
يجب أن تتعاملَ مجموعة البنك الدَّولي في مشاركتها التنموية تعاملًا واقعيًّا، ففي نهاية المطاف لن تُحَلَّ النزاعاتُ والأزَمات إلا بواسطة العمليات السياسية، ولا يمكن لأفضل الخطط الإستراتيجية أو لبرامج الإنماء المـُحكَمة كسبُ الحرب أو ضمانُ السلام دون جهد سياسي محنَّك. وهذا لا ينفي أن التدخُّلاتِ الإنمائيةَ تُسهم كثيرًا في معالجة دوافع «الصراع والعنف والهشاشة»، وتدفع نحو تحقيق نتائجَ جيدة ومُجدية.

ثالثًا: الواقع قبل الأدلَّة
ينبغي أن تكونَ البرامج مُعَدَّةً إعدادًا دقيقًا مُحكَمًا؛ للتعامل مع دوافع «الصراع والعنف والهشاشة»، وتحليلاتها بما يراعي واقعَ الحال، ففي كثير من الحالات يبدو التشخيصُ المنهجي لأوضاع الصراع والهشاشة في بلدٍ ما لا يختلف اختلافًا كبيرًا أو ملحوظًا عن ذلك التشخيص الوارد في أدلَّة الصراع والعنف والهشاشة. ومن ثَمَّ كان من الضروريِّ أن تُعَدَّ برامجُ معالجة «الصراع والعنف والهشاشة» للاستجابة للدوافع القُطرية المحلِّية، وتجعلها أولويَّاتٍ في تلك البرامج.

ومن المثير للاهتمام أن العملياتِ المتعلِّقةَ بالأزَمات تميلُ إلى الأداء الجيد؛ لأنها (مركَّزة) وسهلة وواقعية، لكن من الصعب التخطيطُ بدقَّة لبرامجَ أو مشاريعَ على مدى أفُقٍ زمني يبلغ خمسَ سنوات، وهذا يقدِّم درسًا للبرامج والمشاريع في البيئات الهشَّة بأنها تحتاج إلى مرونة عالية تسمح لها بالتكيُّف السريع مع الظروف المتغيِّرة.

رابعًا: ترشيد التمويل
لا بدَّ من معايرة ترتيبات التمويل لبرامج معالجة «الصراع والعنف والهشاشة»؛ لتبتعدَ عن المنهج التقليدي القائم على تلقِّي البلدان ذات القدُرات المؤسسية المنخفضة قليلًا من التمويل، ممَّا يحدُّ من جَدوى تلك البرامج. ويمكن أن تأتيَ التحسيناتُ باتِّباع خُطط وبرامجَ أفضل، يكون لها حضورٌ أقوى على الأرض، وتنفيذ مشاريعَ صغيرة أكثر واقعية. 

وقد أتاحت مؤسساتُ التمويل الدَّولية 14 مليارَ دولار؛ لإقراض البلدان (المؤهَّلة للاقتراض) المتضرِّرة من الصراع والهشاشة، واستشرافًا للمستقبل وعدَت تلك المؤسساتُ بزيادة حصَّتها من التزامات الاستثمار في معالجة الأوضاع الهشَّة والمتأثِّرة بالصراع، بمقدار %40 بحلول السنة المالية 2030م، يُخصَّص منها 15 إلى %20 للبلدان المنخفضة الدخل.

خامسًا: ضرورة الحوكمة 
للحوكمة الرشيدة أهميةٌ كبيرة في مواجهة تحدِّيات «الصراع والعنف والهشاشة»، ولن تتحقَّقَ جَدوى برامج معالجة الهشاشة بالتنمية في أيِّ قطاع؛ من الصحَّة والتعليم إلى الزراعة والوظائف، إلا إذا كانت الحوكمةُ الأساسية للبلد قويةً ودقيقة وشاملة. وإن جوانب الضعف في الحوكمة هي من الدوافع الرئيسة والمزمنة المؤدِّية إلى الإخفاق والهشاشة. ومعالجةُ ذلك يتحقَّق بتحسين الحوكمة والارتقاء بإجراءاتها على المدى الطويل؛ وذلك بتعزيز أمن المواطن، واحترام سيادة القانون، وبناء أنظمة المساءلة، ودعم أنظمة الخِدْمات، والتشجيع على مشاركة المواطنين. 

وقد لا يكون التقدُّم في الحوكمة ومعالجة الهشاشة تقدُّمًا خطِّيًّا، لكنَّ الجهد المبذول فيها يُسهم في تحقيق المرونة والاستقرار في المستقبل، ويساعد على بناء الشرعية والثقة في المؤسسات، ومعالجة دوافع «الصراع والعنف والهشاشة»، وإصلاح العقد الاجتماعي.

سادسًا: تطوير أنظمة التشغيل والعاملين
من الضروري توفيرُ مصادر دعم للموظفين العاملين في ظروف «الصراع والعنف والهشاشة» وتطوير قدُراتهم؛ فإن وجود الموظفين الأكفياء المناسبين على الأرض أمر مهمٌّ لتحقيق النجاح في تنفيذ المشاريع. والموظفون المقيمون أكثرُ قدرةً على فهم الاقتصاد السياسي؛ وتقديم دعم استباقي للعُملاء في إعداد العمليات وتنفيذها. لكنَّ ذلك قد لا يتحقَّق بسهولة، فلا يزال الانطباعُ المهيمن على الموظفين أن العمل في معالجة الأوضاع الهشَّة والمتأثِّرة بالصراع لا يعزِّز دائمًا مسيرتهم المهنية، على الرغم من زيادة أعداد الموظفين العاملين في هذا المجال زيادةً كبيرة في السنوات الأخيرة. وينبغي أن يشعرَ هؤلاء الموظفون أن جهودَهم في هذه البيئات الصعبة مقدَّرة.

ويجب تكييفُ الأنظمة التشغيلية وتحديثُها؛ لتبقى على الدوام ملائمةً للغرض منها. فالعملُ في مجال معالجة «الصراع والعنف والهشاشة» يعني التعاملَ المستمرَّ مع الجهات الفاعلة غير الحكومية، ومع المجتمع المدني، ومع الجهات الأمنية والعسكرية، في سياقات تعِجُّ بالأزَمات الإنسانية والنزوح القَسْري. وفي هذه السياقات من المهمِّ وضوحُ السياسات والخطط للفِرَق العاملة؛ لضمان أن تكون على دراية وتمكُّن ومرونة بحسَب الحاجة.

سابعًا: تخفيف الأخطار
تنطوي معالجةُ «الصراع والعنف والهشاشة» على أخطار كبيرة وكثيرة، يصعُب التخفيفُ منها جميعًا، وقد تظهر أخطارٌ إضافية عند تنفيذ المشروعات، ممَّا يستدعي استخدامَ نهج واضح وشامل لتخفيف هذه الأخطار، والسَّبق إلى كشف غير المتوقَّع منها قبل وقوعه. وتنطوي هذه المعالجةُ على تكاليفَ أعلى؛ لما تتطلَّبه من استثماراتٍ جديدة في البيانات والتحليلات، والأمن والتعاون مع الشركاء. وكلُّ هذه العوامل تزيد الضغوطَ على الميزانية.

ثامنًا: شراكات فاعلة
تُعَدُّ الشراكاتُ العملية لمعالجة «الصراع والعنف والهشاشة» أمرًا ضروريًّا ومهمًّا جدًّا، ولا سيَّما عندما ترتبط بمهمَّات محدَّدة، وتستند إلى المزايا النسبية لكلِّ شريك من منظمات المجتمع المدني المحلِّية، والقِطاع الخاصِّ، والمانحين، وبنوك التنمية، ووكالات الأمم المتَّحدة. وتحتاج الشراكاتُ إلى وقت طويل وجهد كبير، وتنطوي على تكاليفَ كبيرة، وتتطلَّب متابعةً جادَّة كي تحقِّقَ النتائج المرجوَّة من مجموع إسهامات كلِّ شريك.

تاسعًا: بيانات محدَّثة
يتطلَّب العملُ في معالجة «الصراع والعنف والهشاشة» اتِّباعَ أسلوب خاصٍّ مع البيانات، فغالبًا ما تكون البياناتُ ضعيفة وناقصة في تلك البيئات، ولكن توجد الآن طرقٌ مبتكَرة لجمع البيانات، أو الاعتماد على بيانات الشركاء. وفي السنوات الأخيرة ظهرت حلولٌ رَقْميَّة لمواجهة تحدِّيات البيانات، ولكن على العموم تحتاج الفِرَق إلى التفكير بأسلوب مختلف في بيانات تقويم أوضاع «الصراع والعنف والهشاشة»، ومن المهمِّ بالقدر نفسه دعمُ الحكومات على المدى الطويل في تحسين بيئة البيانات الخاصَّة بها؛ لصُنع سياسات قائمة على الأدلَّة.

عاشرًا: إسهام القطاع الخاص
إن تأثير أوضاع «الصراع والعنف والهشاشة» كبيرٌ في القِطاع الخاصِّ وفي تنميته، مع أنه مصدرٌ أساسي في النموِّ، وإتاحة الوظائف، ورفع قدرة المجتمعات على الصُّمود. لكنَّ التحدِّياتِ التي تواجه تعزيزَ سلامة القِطاع الخاصِّ في هذه البيئات كثيرة ومعقَّدة، من مثل: ارتفاع تكاليف ممارسة الأعمال التجارية، ونقص المهارات، والافتقار إلى سيادة القانون، وضعف البنية التحتية وسلاسل التوريد، والتعامل مع أخطار مالية عالية؛ كالأنشطة غير القانونية والفساد والرِّشا، فضلًا عن أخطار بيئية واجتماعية أُخرى.

ولمواجهة كلِّ ذلك أطلقت مجموعةُ البنك الدَّولي عدَّةَ مبادرات، منها مبادرةُ الدول المتأثِّرة بالنزاع في إفريقيا (CASA) في عام 2008م؛ لمساعدة البلدان التي تشهد صراعًا وهشاشة في القارَّة، على إعادة بناء قِطاعاتها الخاصَّة، وتوفير فرص العمل، وجذب الاستثمارات. وبدعم من إيرلندا​ وهولندا والنرويج، بدأ تطبيقُ المبادرة في أربعة بلدان، ثم توسَّعَت في 13 دولةً إفريقية.

وتُعنى المبادرةُ الآن بمِنطَقة الساحل، وبحيرة تشاد، والقرن الإفريقي، وهي تدعم أساليبَ معالجة الصراع الإقليمية ودون الإقليمية في تلك المناطق. وأظهرت المبادرةُ أن هناك ثلاثةَ عواملَ حاسمةٍ لتحقيق التنمية المستدامة للقِطاع الخاصِّ في الأسواق الهشَّة، وهي: المشاركةُ الطويلة الأجل، والمعلومات المتصلة بالسُّوق، والتمويل المرن. وإن وجود الفِرَق الميدانية على الأرض يساعد في جمع معلومات السوق الصَّحيحة، ويدفع إلى تسريع عجلة تنفيذ المشاريع، ويوفِّر اتصالًا أوضحَ مع العُملاء وأصحاب المصلحة.
voice Order

PDF اضغط هنا لتحميل الملف بصيغة

تحميل الملف
voice Order
العدد الثامن والثلاثون
إصدار شهري يقدم قراءة لتقارير دولية حول قضايا الإرهاب
26/06/2022 11:20