تسجيل الدخول
جاسيندا أرديرن - أيقونة سياسية في مواجهة الإرهاب
هي سياسيةٌ بارزة، وإحدى أصغر رؤساء الحكومات سنًّا، وصاحبة مبادرة مميَّزة في مكافحة التطرف والإرهاب. حظيت بإشادات واسعة بعد أداء استثنائي عقب أكبر حادث إرهابي تعرَّض له بلدها في التاريخ الحديث. إنها «جاسيندا أرديرن» التي تولَّت رئاسةَ وزراء نيوزلندا عام 2017م، وهي في سنِّ السابعة والثلاثين.

ردود سريعة
في منتصف شهر مارس عام 2019م، استيقظت نيوزلندا التي اعتاد سكَّانها على العيش في هدوء وسلام، بعيدًا عن التطرف والعنف، على أسوأ مذبحة إرهابية شهدتها البلاد، بعد أن اقتحمَ يمينيٌّ متطرف يُدعى «برينتون تارانت» مسجدين بمدينة «كرايستشيرش»، وأطلق الرصاصَ على المصلِّين فقتل وأصاب نحو مئة مسلم.

وكان ردُّ رئيسة وزراء نيوزلندا سريعًا، وفي اتجاهات شتَّى؛ فعلى مستوى الحادث أظهرت حزمًا منذ اللحظة الأولى، ولم تتردَّد بوصفه بالعمل «الإرهابي»، على خلاف كثير من وسائل الإعلام التي تردَّدت في إطلاق ذلك الوصف. وصرَّحت في البرلمان النيوزيلندي قائلة: «إن القاتل مجرمٌ ومتطرف، ولا بدَّ أن ينال أقصى عقاب ممكن، إنه يبحث عن الشُّهرة، لكنَّني لن أذكرَ اسمه أبدًا».

وأبدت تعاطفًا كبيرًا مع أهالي الضحايا؛ فانتقلت من العاصمة «ويلينغتون» إلى مدينة «كرايستشيرش» على رأس وفد ضمَّ شخصيات بارزة من أحزاب مختلفة؛ لتعزيتهم وبثِّ الأمان في نفوسهم، والاستماع إلى آرائهم بشأن ما ينبغي فعلُه بعد هذا الحادث المأساوي. 

وفي أثناء زيارتها ارتدت غطاءً على رأسها، وألقت تحيَّة المسلمين باللغة العربية، وحَرَصَت على معانقة أقارب الضحايا عند مواساتهم، فنالت تصرُّفاتها إعجابًا لدى كثير من المسلمين. وعَدَّ مراقبون الزيَّ الذي ارتدته رئيسةُ الوزراء أنه لم يكن مجرَّدَ تصرُّف عابر، بل كان مقصودًا في مواجهة الموجة الشعبوية والتطرف القومي الذي ينمو منذ سنوات. 

وكانت «جاسيندا أرديرن» أكثرَ شجاعةً عندما ندَّدَت بالعقيدة القومية اليمينية والأفكار التي تنادي بتفوُّق العنصر الأبيض، وقدَّمت اعتذارًا علنيًّا للمسلمين، بعد أن أكَّد تقريرُ لجنة التحقيق في الحادث أن السُّلطات الأمنية ظلَّت على مدار سنوات تُعنى بمتابعة الإرهاب بدوافعَ إسلامية، دون العناية بمخاطر اليمن المتطرف. 

نداء كرايستشيرش 
ولتحقيق الأمن والحدِّ من التطرف، جعلت «أرديرن» أولويةَ حكومتها تشديدَ قوانين مكافحة الإرهاب، وتقييدَ منح رُخَص السلاح. وقدَّمت مبادرةً مهمَّة للحدِّ من التطرف والكراهية والعنف على شبكة الإنترنت، فلا يخفى أن مرتكبَ المجزرة بثَّ الهجومَ مباشرةً على وسائل التواصل الاجتماعي، وشهدت هذه الظاهرةُ، أي بثُّ جرائم القتل على شبكات التواصل الاجتماعي، توسُّعًا مأساويًّا لم يُعرف له مثيل. وأظهرت المأساةُ مدى قصور الإجراءات التي وضعَتها المنشآت لمكافحة بثِّ محتويات إرهابية على مِنصَّاتها. 

أُطلق على المبادرة اسم «نداء كرايستشيرش»، نسبةً إلى المدينة التي وقعَ فيها الحادث، وهي خُطَّة عمل تُلزم الحكومات والجهات الفاعلة في مجال الإنترنت باتخاذ تدابيرَ لحذف المحتويات المتطرفة العنيفة والإرهابية من الإنترنت، ومنع المتطرفين والإرهابيين من الاستغلال السيِّئ لها. ويمثِّل هذا النداء صيحةً للتعاون الدَّولي في مكافحة التطرف في الإنترنت، واستخدام التقنيات بطريقة أخلاقية؛ لمنع مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي من الانزلاق في دروب التطرف، كما تضمَّن النداء تعهُّدات بتعزيز السِّلم والاحترام والتعاون بين أبناء الثقافات والأديان والأعراق.

والتقت «أرديرن» كثيرًا من زعماء العالم ومديري شركات الإنترنت الكبرى؛ لأجل تفعيل المبادرة، وكان لذلك صدًى إيجابيٌّ واسع؛ إذ انضمَّت إليه نحو 50 دولةً، وممثِّلو عدد من الشركات العملاقة، مثل: فرنسا، وكندا، وإيرلندا، والسنغال، وإندونيسيا. وشركات: أمازون، وفيسبوك، وغوغل، ومايكروسوفت، وكوانت، وتويتر، ويوتيوب.

التزام لمحاربة التطرف
بعد استقالة «جاسيندا أرديرن» من رئاسة الحكومة في فبراير 2023م، أصدر رئيسُ الوزراء الجديد «كريس هيبكنز» قرارًا بتعيينها مبعوثًا خاصًّا لـ «نداء كرايستشيرش»، وهو منصب أُنشئ حديثًا لمحاربة التطرف، مؤكِّدًا أن التزام «أرديرن» بوقف المحتوى المتطرف العنيف على شبكة الإنترنت هو سببُ حرصنا على استمرارها في هذا العمل.

وإذا كانت «أرديرن» قد علَّلت استقالتها من رئاسة الحكومة، بأنه لم يعُد لديها طاقة كافية للاستمرار في السُّلطة، فإنها مع اختيارها للاستمرار في نشر مبادرتها، أكَّدت ترحيبَها بالنهوض بعمل جديد في مجال مكافحة التطرف والمحتوى الإرهابي على الإنترنت، مع ممثِّلي قادة العالم ومسؤولي الشركات العابرة للقارَّات، وبذل جهود أكبرَ لوقف المضمون الإرهابي والعنيف، الذي تحفل به المنصَّات الإلكترونية، مشيرةً إلى أنها تشعر بواجب على المستوى الشخصي تجاه المجتمع المتضرِّر من جرَّاء هذه المأساة.
07/09/2023 08:52