تسجيل الدخول
“إديت شلافر” الأمَّهات خطُّ الدفاع الأوَّل ضد التطرف
​«إديت شلافر» عالمةٌ نمساوية متخصِّصة في علم الاجتماع، عُرفت بنشاطها البارز في مكافحة التطرف والإرهاب، ولها تجارِبُ ومبادراتٌ رائدة في هذا المجال، بعيدًا عن المواجهة العسكرية والأمنية. عُنيت بمسؤولية الأمِّ التي تعُدُّها حائطَ الصدِّ الأوَّل في محاربة التطرف؛ فهي الأقربُ إلى ابنها والمراقبُ لتصرُّفاته، والقادرةُ على رصدِ أيِّ بوادر انحراف قد تظهرُ عليه. فضلًا عن أثرها المهمِّ في التوجيه والإرشاد، وغرس المعتقَدات السَّمحة والقِيَم الفاضلة.

من باحثة إلى ناشطة
بدأت شلافر عملها باحثةً في البلدان التي تشهد أزَمات سياسية، كسوريا والعراق واليمن، وقد أبصرت كثيرًا من وقائع العنف تجاه اللاجئين من النساء والأطفال؛ مما دفعَها إلى التحوُّل إلى ناشطة للدفاع عن حقوق المرأة. وقد رصدَت معاناة كثيرٍ من الأمَّهات؛ بسبب انضمام أبنائهنَّ إلى تنظيمات إرهابية، وتتبَّعت كيف لاحظنَ بوادر الانحراف في سلوكهم، وظهر لها أن أكثرهنَّ افتقد المعرفة والخبرة في التعامل معهم على النحو الصحيح. لذا رأت شلافر ضرورةَ تبصير الأمَّهات بسُبل التعامل مع أبنائهنَّ في مثل هذه الحالات، مؤكِّدةً أن الأمَّ هي الحليفُ الأمني المفقود لمنع هجَمات المستقبل، وهي مصدرٌ مهم للوقوف على طرائق التجنيد، واتِّخاذ أفضل الطرق للتصدِّي له.

مدارسُ الأم
قدَّمت شلافر كثيرًا من المبادرات لمحاربة التطرف بالاستعانة بالأمَّهات؛ ففي عام 2001م أسَّسَت منظمة «نساء بلا حدود» في العاصمة النمساوية فيينَّا، تُعنى بتضافر جهود الأمهات عالميًّا في مواجهة ظاهرة تجنيد الشباب في التنظيمات الإرهابية، انطلاقًا من قناعتها بأن النساء عواملُ أساسية للتغيير، وقُوى دافعة لتحقيق الاستقرار في عالم غير آمن. وتعاونت منظمتُها مع خبراء مكافحة الإرهاب من منظمة الأمن والتعاون في أوروبا. ولجهودها الحثيثة في مواجهة التطرف لقيت دعمًا ماليًّا من وِزارات نمساوية ومن الاتحاد الأوروبي ووِزارة الخارجية الأمريكية.

وفي عام 2010م أنشأت المنظمةُ «مدارس الأم» في عددٍ من البلدان، وهي تجرِبةٌ رائدة في تدريب الأمهات على مواجهة خطر تعرُّض الأبناء للتطرف، وانضمامهم إلى جماعات إرهابية. وجاءت تلك الفكرةُ في أثناء مهمَّة بحثية لها في طاجكستان، حيث يهرب الأبناء من أُسَرهم ومن المدارس؛ للالتحاق بالإرهابيين. 

وتضمُّ هذه المدارسُ أمهاتٍ وقع أبناؤهنَّ في شرَك التطرف والإرهاب. ووضعت شلافر بالتعاون مع الجهات المختصَّة مناهجَ تقدِّم تدريبًا على الثقة بالنفس، ومراقبة التطوُّر النفسي للأطفال والشباب، ومراقبة استخدامهم للإنترنت، ورصد علامات الانحراف، والأسلوب الأمثل للتعامل معهم. مدَّة الدوام في هذه المدارس عشَرة أسابيع، بحضور يوم واحد أسبوعيًّا. 

وبعد النجاح الكبير للبرنامج تحوَّل إلى نشاط عالمي لمحاربة التطرف بواسطة الأمهات، ووصل عددُ الدارسات فيه إلى نحو 3000 أم من 16 دولة، منها: تنزانيا، وبنغلاديش، والنمسا، وبلجيكا، وبريطانيا، وألمانيا، والهند، وباكستان، وإندونيسيا، ونيجيريا. وكانت ألمانيا من أُولى الدول التي خرَّجت عددًا من الأمهات المتدرِّبات من أصول سورية وجزائرية، وفضلًا عن حماية أنفسهنَّ وأبنائهنَّ من التطرف؛ فإنهنَّ يعملنَ على تدريب الأُخريات إسهامًا في نشر التثقيف والتوعية.

أخوات ضد التطرف
واستمرارًا لتعزيز مسؤولية الأم في مواجهة التطرف العنيف؛ أنشأت شلافر أولَ منصَّة نسائية لمكافحة الإرهاب باسم «أخوات ضد التطرف العنيف» عام 2008م؛ لتكون حلقةَ وصل بين النساء وصنَّاع القرار. وقد أنجزت هذه المنصَّة مجموعةً من المشاريع في المدارس والجامعات والمنظمات غير الحكومية في دول مختلفة؛ لمواجهة التطرف، منها: مشروع «الخط الساخن في اليمن» حيث يقدِّم عددٌ من المتخصِّصين في علم النفس والاجتماع خدمةً مجانية للمتَّصلين من العائلات القلقة بشأن تورُّط أحد أفرادها بالتطرف. 

وأنتجت شلافر عددًا من الأفلام القصيرة لإبراز أهمية المرأة في صناعة التغيير، ويعرض فِلمُها الأخير «أمُّك» شهاداتِ أمهات على أبناء أساؤوا إلى الآخرين باسم الدين، ويُستخدَم الفلم أداةً تعليمية لرفع مستوى الوعي في المجتمعات التي ينتشر فيها التطرف. 

شهادات وجوائز 
تقول شلافر: «التقيتُ في أوَّل دورة بمدارس الأم في إندونيسيا، نساءً يعتقِدنَ أن أبناءهنَّ ذهبوا إلى سوريا للعمل، وقد انهار كثيرٌ منهنَّ عندما علِمنَ أن سوريا ساحةُ حرب، وأن أبناءهنَّ ربما يكونون في صفوف داعش». وتقول إلفريدي إحدى المتدرِّبات الألمانيات: «لن نصمتَ على من دمَّروا أطفالنا، ابني رحل إلى سوريا منذ عام 2013م، ولا أدري إن كان لا يزال حيًّا أو لا». 

وتحكي أُخرى عن رعب ابنها الذي أُرسِلَ إلى مقدِّمة صفوف القتال في داعش قبل أن يُقتَل وهو لا يتجاوز تسعة عشر عامًا. وفي جاكرتا قالت الأمهاتُ الإندونيسيات: «لقد تعلَّمنا أهمية تطوير ثقافة الحوار، وعرفنا تِقنيَّات وإستراتيجيات تجنيد الشباب، ولن ننتظرَ حتى يأتيَ الإرهابيون لخطف أولادنا». 

وقد حصلت شلافر على عددٍ من الجوائز؛ لجهودها في تعزيز إسهام المرأة في مكافحة التطرف، منها جائزةُ أوروبا للسلام الدَّولية لأخوات المحبَّة، ومنحَتها اليونسكو لقبَ «أفضل نموذج للممارسات».
12/01/2023 09:56