تسجيل الدخول
هجوما “أوسلو” - إرهاب دامٍ بلوثة اليمين المتطرف
​انفجرت شاحنة كانت تقف بجانب المربع السكني الرئيس للحكومة النرويجية، في 22 يوليو من عام 2011، وكان المبنى يضمُّ مقار رئاسة الوزراء النرويجية ووزارات عدة. وطال الانفجار مقرَّ صحيفة «فيردنز جانج» كبرى الصحف النرويجية، وأحدث في المنطقة دمارًا كبيرًا، وتُركت الجثث مؤقتًا بين أنقاض المباني لكي تتمكن الشرطة من جمع الأدلة في التحقيق. وسارعت فرق الإنقاذ والإسعاف إلى موقع الانفجار حيث جرى إجلاء السكان من منازلهم. وشوهد عددٌ من الأشخاص وهم ممددون على الأرض والدماء تغطي وجوههم، بينما أقيمت وحدات ميدانية لعلاج المصابين. ولم يصب رئيس الوزراء النرويجي وقتئذ «ينس ستولتنبرغ» بأذى؛ لأنه كان خارج المبنى، لكن التفجير أدى إلى وفاة 11 شخصًا، وإصابة أكثر من 209 آخرين. 

بعد هذا التفجير المروع بساعتين اقتحم مسلحٌ مخيمًا صيفيًّا لشباب حزب العمال النرويجي الحاكم في جزيرة «أوتايا»، وبدأ يطلق النار عشوائيًّا على المشاركين، فأوقع بينهم 77 قتيلًا و111 جريحًا. 

هكذا وقع هجوما أوسلو الأكثر حصدًا للأرواح في النرويج منذ الحرب العالمية الثانية، وأكبر عمل إرهابي في أوروبا الغربية منذ تفجيرات وسائل النقل بلندن عام 2005 التي أدَّت إلى مقتل 52 شخصًا. كان منفِّذ الهجومين هو اليميني المتطرف «أندرس بيرينغ بريفيك» المولود عام 1979 في لندن، حيث كان أبوه يعمل في سفارة النرويج في بريطانيا. 

التخطيط للهجوم 
كشفت التحقيقات مع «بريفيك» أنه بدأ التخطيط للأعمال الإرهابية عام 2002، وهو في عمر الثالثة والعشرين. وشارك لسنوات في نقاشات على منتديات الإنترنت، وتحدَّث دومًا ضد الإسلام والمهاجرين، وبدأ التخطيط الفعلي للهجومين منذ 2009، ولكنه أخفى نواياه.

قرَّر «بريفيك» الحصول على الأسلحة من بلاده وبطرقٍ قانونية؛ لأن لديه سجلًا جنائيّا نظيفًا، فاشترى بندقية نصف آلية مخصصة لصيد الغزلان، ومسدس «جلوك»، وكان «بريفيك» يملك شركة للزراعة العضوية اسمها: «بريفيك جيوفارم» فاستغلها لشراء بعض المستلزمات الزراعية ذات الاستخدام المزدوج، مثل الأسمدة؛ لمساعدته في تصنيع القنبلة التي استخدمها في تفجير أوسلو. واعترفت الشركة التي ابتاع الأسمدة منها أن آخر شحنة تسلمها كانت ستة أطنان من الأسمدة.

وفي حادثة إطلاق النار الجماعي دخل «بريفيك» متنكرًا بزي رجال الشرطة إلى المخيم الشبابي، زاعمًا أنه يريد التأكد من سلامة التجمع بعد انفجار أوسلو، ودعا الناس إلى الاقتراب منه قائلًا: «حسنًا.. إنكم آمنون، لقد جئنا لمساعدتكم». وعندما اقترب منه نحو 20 شابًا أطلق النار عليهم من مدى قريب. ثم شرع يطلق النار على بقية المشاركين، وظل يطلق الرصاص من سلاحين ناريين لأكثر من نصف ساعة، دون أن يعترضه أحد! بل إن الشرطة لم تصل إلى موقع الحادث إلا بعد ساعة ونصف تقريبًا! 

المحاكمة
جرت محاكمة «بريفيك» بين 16 أبريل و22 يونيو 2012 في محكمة أوسلو، حيث اعترف بتنفيذه للهجومين، دون اعتراف بالذنب، وادَّعى أن ما فعله لغاية « تغيير المجتمع»، ورفضت دفوع الدفاع بأنه مجنون.

وفي 24 أغسطس 2012، حكمت محكمةٌ نرويجية على «بريفيك» بأقصى عقوبة، وهي السجن 21 عامًا، فيما يُسمَّى بـــ «السجن الوقائي»، الذي يعني أن بوسع المسؤولين أن يحولوا دون إطلاق سراح المـُدان لأجل غير مسمّى، طالما عُدَّ تهديدًا للمجتمع. 

هزت المذبحة المجتمع النرويجي والعالم، وشدَّت انتباهه على أخطار إرهاب اليمين المتطرف، ولا تزال تترك آثارها فيه حتى اليوم. وفي الذكرى العاشرة للمذبحة قال رئيس حلف شمال الأطلسي الحالي، ورئيس وزراء النرويج وقت المذبحة «ينس ستولتنبرغ»، في كلمة في كاتدرائية أوسلو: «قبل عشر سنوات، كان ردُّنا على الكراهية هو المحبة... لكن الكراهية ما زالت موجودة هنا».

وقال بعض الناجين من المذبحة: إن بلادهم لم تحاسب بعد إيديولوجية اليمين المتطرف، وأن جريمة «بريفيك» لم تنتهِ عند حدود النرويج؛ إذ شكَّل نموذجًا دفعَ إلى ارتكاب جرائم مماثلة، أبرزها الهجوم الدموي على مسجدي «كرايست تشيرش» في نيوزيلندا في العام 2019. وقد أصدرت أجهزة الاستخبارات النرويجية في الأسبوع نفسه تحذيرًا من أن «الأفكار التي كانت الدافع وراء الهجوم ما زالت تُشكِّل قوةً محركة لمتطرفي اليمين على المستويين الوطني والعالمي، وشكَّلت عاملًا مؤثرًا لشنِّ هجمات إرهابية عدة في غضون السنوات العشر الأخيرة».

أفكار المجرم 
التحق «بريفيك» بحزب التقدم -وهو تنظيم يميني- عام 1999، وعمل مع حركة شبيبة الحزب، لكنه تركه عام 2006؛ لأنه كان في رأيه شديد الانفتاح على التعددية الثقافية، ولا يدافع عن «الهُوية والثقافة والتقاليد الشمالية». وفي ذلك التاريخ اكتملت الأفكار الفاشية والنازية لدى «بريفيك»، وأصبح لديه موقعٌ إلكتروني يناهض الإسلام، ويتَّخذ موقفًا متشدِّدًا من الأجانب والمهاجرين، ومن حزب العمل الحاكم المتسامح تجاههم. 

ونشر «بريفيك» يوم المجزرة شهادةً طويلة في نحو 1500 صفحة على الإنترنت، عرض فيها على نحو مفصَّل التزامه العقائدي بمكافحة الإسلام والماركسية في السنوات التسع الأخيرة، وكانت اللحظة الحاسمة في خريف 2009 حين قرَّر الانتقال إلى تنفيذ عمله الإرهابي. وعرَّف نفسه بأنه «قائد فرسان الحق» تشبهًا بالفرسان الصليبيين، وأورد قائمة بالدول الأوروبية التي يجب استهدافها، مرتبةً بحسب نسبة المسلمين فيها، تتصدرها فرنسا، وبرّر جريمته بأنها نوع من «استخدام الإرهاب وسيلة لإيقاظ الجماهير»! 
25/04/2024 10:14